التَّامَّةِ الْأَرْكَانِ مَا يَسْهُلُ حَمْلُهُ فِيهَا كَالسَّيْفِ وَالْخِنْجَرِ وَالنِّبَالِ مِنْ أَسْلِحَةِ الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَمِثْلَ الْبُنْدُقِيَّةِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْمُسَدَّسِ فِي الْحِزَامِ أَوِ الْجَيْبِ مِنْ أَسْلِحَةِ هَذَا الْعَصْرِ فَإِذَا سَجَدُوا، أَيْ: فَإِذَا سَجَدَ الَّذِينَ يَقُومُونَ مَعَكَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ أَيْ: فَلْيَكُنِ الْآخَرُونَ الَّذِينَ يَحْرُسُونَكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ، وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْمُصَلِّي لِلْحِرَاسَةِ سَاجِدًا ; لِأَنَّهُ لَا يَرَى حِينَئِذٍ مَنْ يَهُمُّ بِهِ، أَوْ عَبَّرَ بِالسُّجُودِ عَنِ الصَّلَاةِ أَيْ: إِتْمَامُهَا ; لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْبَاقُونَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْقِيَامِ مَقَامَهُمْ وَالصَّلَاةُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَلُّوا، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ، أَيْ: وَلْتَأْتِ طَائِفَةُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْحِرَاسَةِ فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ كَمَا صَلَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَزَادَ هُنَا الْأَمْرَ بِأَخْذِ الْحَذَرِ وَهُوَ التَّيَقُّظُ وَالِاحْتِرَاسُ مِنَ الْمَخْلُوفِ، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ بَلْ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِيهَا يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ (٧١) ، قِيلَ: إِنَّ حِكْمَةَ الْأَمْرِ بِالْحَذَرِ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ أَنَّ الْعَدُوَّ قَلَّمَا يَتَنَبَّهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، بَلْ يَظُنُّ إِذَا رَآهُمْ صَفًا أَنَّهُمْ قَدِ اصْطَفَوْا لِلْقِتَالِ، وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ وَالنِّزَالِ، فَإِذَا رَآهُمْ سَجَدُوا عَلِمَ أَنَّهُمْ فِي صَلَاةٍ، فَيُخْشَى أَنْ يَمِيلَ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى عِنْدَ قِيَامِهَا فِي الصَّلَاةِ، كَمَا يَتَرَبَّصُ ذَلِكَ بِهِمْ عِنْدَ كُلِّ غَفْلَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - لَنَا هَذَا مُعَلِّلًا بِهِ الْأَمْرَ بِأَخْذِ الْحَذَرِ وَالسِّلَاحِ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً، أَيْ: تَمَنَّى أَعْدَاؤُكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ
وَأَمْتِعَتِكُمُ الَّتِي بِهَا بَلَاغُكُمْ فِي سَفَرِكُمْ بِأَنْ تَشْغَلَكُمْ صَلَاتُكُمْ عَنْهَا فَيَمِيلُونَ حِينَئِذٍ عَلَيْكُمْ، أَيْ: يَحْمِلُونَ عَلَيْكُمْ حَمْلَةً وَاحِدَةً وَأَنْتُمْ مَشْغُولُونَ بِالصَّلَاةِ وَاضِعُونَ لِلسِّلَاحِ تَارِكُونَ حِمَايَةَ الْمَتَاعِ وَالزَّادِ، فَيُصِيبُونَ مِنْكُمْ غِرَّةً فَيَقْتُلُونَ مَنِ اسْتَطَاعُوا قَتْلَهُ، وَيَنْتَهِبُونَ مَا اسْتَطَاعُوا أَخْذَهُ، فَلَا تَغْفُلُوا عَنْهُمْ، وَلَا تَجْعَلُوا لَهُمْ سَبِيلًا عَلَيْكُمْ، وَهَذَا الْخِطَابُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَخْتَصُّ الطَّائِفَةَ الْحَارِسَةَ دُونَ الْمُصَلِّيَةِ وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ فِي قَرْنِ الْأَحْكَامِ بِعِلَلِهَا وَحِكَمِهَا.
وَلَمَّا كَانَ الْخِطَابُ عَامًّا لِجَمِيعِ الْمُحَارِبِينَ، وَكَانَ يَعْرِضُ لِبَعْضِ النَّاسِ مِنَ الْعُذْرِ مَا يَشُقُّ مَعَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ، عَقَّبَ عَلَى الْعَزِيمَةِ بِالرُّخْصَةِ لِصَاحِبِ الْعُذْرِ فَقَالَ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ، أَيْ: وَلَا تَضْيِيقَ عَلَيْكُمْ وَلَا إِثْمَ فِي وَضْعِ أَسْلِحَتِكُمْ إِذَا أَصَابَكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ تُمْطَرُونَهُ فَيَشُقُّ عَلَيْكُمْ حَمْلُ السِّلَاحِ مَعَ ثِقَلِهِ فِي ثِيَابِكُمْ، وَرُبَّمَا أَفْسَدَ الْمَاءُ السِّلَاحَ ; لِأَنَّهُ سَبَبُ الصَّدَأِ، أَوْ إِذَا كُنْتُمْ مَرْضَى بِالْجِرَاحِ أَوْ غَيْرِ الْجِرَاحِ مِنَ الْعِلَلِ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ تَأْخُذُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute