(أَقُولُ) : وَمَعْنَى بَيْتَيِ الْفَاتِكُ أَنَّ صَاحِبَهُ إِذَا اسْتَشَارَهُ فَقَالَ لَهُ: مُرْنِي - أَيْ أَشِرْ عَلَيَّ - لَا يَقُولُ لَهُ: افْعَلْ مَا تَشَاءُ إِعْرَاضًا عَنْ نُصْحِهِ أَوْ عَجْزًا مِنْهُ، بَلْ يَفْرِي؛ أَيْ: يَقْطَعُ لَهُ الرَّأْيَ الْمُحْكَمَ بِخُطَّةٍ بَزْلَاءَ؛ أَيْ: قَوِيمَةٍ مُحْكَمَةٍ، تُخْرِجُهُ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ، وَتَكُونُ فَيْصَلًا؛ أَيْ: فَاصِلَةً بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ، وَالْبَزْلَاءُ وَبُزُولُ الْأَمْرِ وَالرَّأْيِ مَأْخُوذٌ مِنْ بُزُولِ نَابِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَنْشَقَّ وَيَخْرُجَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ فَهُوَ بَازِلٌ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقُوا لَقَبَ الْبَازِلِ عَلَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ الْمُحْكَمِ التَّجْرِبَةِ.
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ أَيْ: قَالَ الْمَلَأُ لِفِرْعَوْنَ
حِينَ اسْتَشَارَهُمْ بِقَوْلِهِ: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ؟ أَرْجِهْ؛ أَيْ: أَرْجِئْ وَأَخِّرْ أَمْرَهُ وَأَمْرَ أَخِيهِ، وَلَا تَفْصِلْ فِيهِ بَادِيَ الرَّأْيِ، وَأَرْسِلْ فِي مَدَائِنِ مُلْكِكَ رِجَالًا أَوْ جَمَاعَاتٍ مِنَ الشُّرْطَةِ وَالْجُنْدِ حَاشِرِينَ؛ أَيْ: جَامِعِينَ سَائِقِينَ لِلسَّحَرَةِ مِنْهَا - فَالْحَشْرُ: الْجَمْعُ وَالسَّوْقُ - وَإِنَّمَا يُوجَدُ السَّحَرَةُ فِي الْمَدَائِنِ الْجَامِعَةِ الْآهِلَةِ بِدُورِ الْعِلْمِ وَالصِّنَاعَةِ، فَإِنْ تُرْسِلْهُمْ: يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ بِفُنُونِ السِّحْرِ مَاهِرٍ فِيهَا، وَهُمْ يَكْشِفُونَ لَكَ كُنْهَ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى فَلَا يَفْتَتِنُ بِهِ أَحَدٌ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ (سَاحِرٍ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ هُنَا، وَفِي يُونُسَ (سَحَّارٍ) بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ لَهُ، وَجَاءَ ذَلِكَ بِالْإِمَالَةِ وَعَدِمَهَا، وَبِهَا قَرَأَ الْجَمِيعُ فِي الشُّعَرَاءِ، وَرَسْمُهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ هَكَذَا (سحر) لِيَحْتَمِلَ الْقِرَاءَتَيْنِ، وَوَجْهُهُمَا أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا طَلَبَ كُلَّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فِي مَدَائِنِ الْبِلَادِ خَصَّ بِالذِّكْرِ الْمَهَرَةَ الْمُتَمَرِّنِينَ فِي السِّحْرِ الْمُكْثِرِينَ مِنْهُ - أَوْ أَنَّ بَعْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute