قَالُوا: يَا رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا.
وَمِنْ تَنَطُّعِ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ فِي فَلْسَفَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ مِنَ اللهِ النَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، وَلَا الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ النَّعِيمَ الرُّوحَانِيَّ الْأَعْلَى فَقَطْ، وَهُوَ لِقَاؤُهُ وَرِضْوَانُهُ وَرُؤْيَتُهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهَا لَفَلْسَفَةٌ جَهْلِيَّةٌ مِنْ نَزَعَاتِ مُنْكِرِي الْبَعْثِ الْجُسْمَانِيِّ، مُخَالِفَةٌ لِنُصُوصِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَهَدْيِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَكْبَرُ الْعِبَرِ لِلْمُسْلِمِ فِي هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ الْبِدَعَ الطَّارِئَةَ عَلَى الدِّينِ يُقْصَدُ بِهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا أَنْ تَكُونَ مَزِيدَ كَمَالٍ فِي الدِّينِ تُقَوِّي أُصُولَهُ، وَمَا شُرِعَ لِأَجْلِهِ، ثُمَّ يَنْتَهِي ذَلِكَ بِهَدْمِ أُصُولِهِ وَمَا شُرِعَ لَهُ. وَإِقَامَةِ الْبِدْعَةِ مَقَامَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سَبَبِ عِبَادَةِ قَوْمِ نُوحٍ " لِوَدٍّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ " مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ، فَصَوَّرُوهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِأَجْلِ الذِّكْرَى وَالِاتِّبَاعِ، ثُمَّ عَبَدُوهُمْ وَعَبَدُوا صُوَرَهُمْ بِالتَّعْظِيمِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوَسُّلِ وَالِاسْتِشْفَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ صَارَتْ عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ مُنْكَرَةٌ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ الشِّرْكُ فِي الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى آلَ الْأَمْرُ إِلَى مَنْعِ عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَمَنْعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
دُخُولِهِ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ - وَهَكَذَا شَأْنُ كُلِّ بِدْعَةٍ: يَئُولُ أَمْرُ أَهْلِهَا إِلَى مُحَارَبَةِ السُّنَّةِ، وَعَدَاوَةِ مَنْ يَعْتَصِمُ بِهَا، وَيُنْكِرُ الْبِدَعَ الْمُحْدَثَةَ الَّتِي لَعَنَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَهْلَهَا، كَمَا فَعَلَ وَيَفْعَلُ الْمُبْتَدِعُونَ فِي تَكْفِيرِ الْوَهَّابِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ دُعَاةِ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَصِمِينَ بِهَا أَوْ تَضْلِيلِهِمْ، وَقِتَالِهِمْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute