للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَةَ رَقْمَ ١٦٥ ص ٢٢٠ ج ٨ ط الْهَيْئَةِ وَقَدْ صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ لِلْمُسْلِمِينَ كَغَيْرِهِمْ، بِمَا تَبَيَّنَ بِهِ إِعْجَازُ كِتَابِهِ وَصَدَقَ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَكَوْنُهُ رَبَّى أُمَّتَهُ بِمَا عَلَّمَهُ رَبُّهُ مِنْ هِدَايَةِ الدِّينِ وَطَبَائِعِ الْعُمْرَانِ وَسُنَنِ الِاجْتِمَاعِ، الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا هُوَ وَلَا قَوْمُهُ الْأُمِّيُّونَ، بَلْ لَمْ تَصِرْ عِلْمًا مُدَوَّنًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِعِدَّةِ قُرُونٍ؛ لِغَفْلَةِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا فِيهِ مِنْ أُصُولِهَا وَقَوَاعِدِهَا الصَّرِيحَةِ كَهَذِهِ الْآيَاتِ. وَقَدْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ دَوَّنَهَا الْمُؤَرِّخُ الْفَقِيهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَةِ تَارِيخِهِ؛ مُؤَمِّلًا أَنْ يُعْنَى بِهَا مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَيَأْتُوا بِتَوْسِيعِ مَا بَدَأَ بِهِ مِنْ مَبَاحِثِهَا، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ وَالْحُكْمَ فِي دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ، كَانَ دَاخِلًا فِي طَوْرِ الِانْحِطَاطِ وَالِاضْمِحْلَالِ، ثُمَّ ارْتَقَى الْإِفْرِنْجُ فِيهِمَا فَتَرْجَمُوا تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ بِلُغَتِهِمُ الْعِلْمِيَّةِ كُلِّهَا، وَأَخَذُوا مِنْهَا عِدَّةَ عُلُومٍ فِي سُنَنِ الْعُمْرَانِ، وَنَحْنُ نَأْخُذُهَا الْيَوْمَ عَنْهُمْ غَافِلِينَ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ عُلَمَاءَ السُّوءِ الْمُقَلِّدِينَ حَجَبُونَا عَنْ هِدَايَتِهِ، بَلْ حَرَّمُوهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِكُتُبِ مَذَاهِبِهِمْ، فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَلَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمُ انْتِقَامَهُ حَتَّى يَعُودُوا إِلَى هِدَايَتِهِ الَّتِي اسْتَخْلَفَ بِهَا سَلَفَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَلَئِنْ عَادُوا إِلَيْهَا بِإِقَامَةِ سُنَنِ الْقُرْآنِ، لَيُتِمَّنَّ لَهُمْ وَعْدَهُ بِخِلَافَةِ الْأَرْضِ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، فَبِقَدْرِ إِقَامَةِ هَذِهِ السُّنَنِ يَكُونُ الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ. فَمَنْ ذَا الَّذِي يُقِيمُهَا.

(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) .

بُدِئَتِ السُّورَةُ بِالْكِتَابِ الْحَكِيمِ (الْقُرْآنِ) وَإِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ لِلْوَحْيِ بِشُبْهَتِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ، وَسِيقَتْ بَعْدَهَا الْآيَاتُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ مِنْ خَلْقِ الْعَالَمِ عُلْوِيِّهِ وَسُفْلِيِّهِ، وَمِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ وَتَارِيخِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>