حَثَّ اللهُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلَ إِنَّمَا تُسَاقُ إِلَى الْمُتَفَكِّرِينَ ;لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَهَا وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فِي عِدَّةِ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ضَارِبًا مَثَلًا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْغُرُورِ بِهَا يُنَاسِبُ سِيَاقَنَا هَذَا: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٠: ٢٤) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْغَرْبِ: إِنَّ الْفَارِقَ الْحَقِيقِيِّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الْمَدَنِيِّ، وَالْإِنْسَانِ الْوَحْشِيِّ هُوَ التَّفَكُّرُ انْتَهَى. فَبِقَدْرِ التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رَسُولِهِ، وَآيَاتِهِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ، وَسُنَنِهِ وَحِكَمِهِ فِي الْبَشَرِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، يَكُونُ ارْتِقَاءُ النَّاسِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ، مِنْ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ.
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ أَيْ: سَاءَ مَثَلُ أُولَئِكَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فِي الْأَمْثَالِ، وَقُبِّحَتْ صِفَتُهُمْ فِي الصِّفَاتِ، وَمَا كَانُوا بِمَا اخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي الْآيَاتِ، وَمِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا نَظَرَ الْعَدُوِّ الشَّانِئِ يَظْلِمُونَ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ وَحْدَهَا بِحِرْمَانِهَا مِنَ الِاهْتِدَاءِ بِهَا، وَبِمَا يُعْقِبُ ذَلِكَ مِنْ حِرْمَانِ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. هَذَا مَا فَهِمْتُهُ مِنْ مَعْنَى الْآيَاتِ كَتَبْتُهُ (بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ) وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْفَهْمِ، وَكُنْتُ قَرَأْتُ تَفْسِيرَهَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، وَلَكِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي ذِهْنِي إِلَّا تَنَازُعَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي تَفْسِيرِ: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا هَلْ يَدُلُّ عَلَى مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى لِضَلَالِ الرَّجُلِ أَمْ لَا؟ ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَقَعُ بِمَشِيئَتِهِ، وَلَكِنَّ مَشِيئَتَهُ تَجْرِي فِي الْعَالَمِ بِمُقْتَضَى سُنَنِهِ وَتَقْدِيرِهِ - وَإِلَّا مَا وَرَدَ فِي الرِّوَيَاتِ الْمَأْثُورَةِ مِنْ قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي آتَاهُ اللهُ آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا، وَأَنَّ أَكْثَرَهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّ اسْمَهُ (بَلْعَامُ) وَاسْمَ
أَبِيهِ (بَاعُورَا) وَهَذَا مِمَّا تَلْقَاهُ أُولَئِكَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَصَارَ يَنْقُلُهُ بَعْضُهُمْ لِثِقَتِهِمْ بِالرَّاوِي، لِكَوْنِهِ مِمَّنِ اغْتَرُّوا بِصَلَاحِهِمْ كَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَهَاكَ خُلَاصَةَ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ، مَنْقُولَةٌ عَنِ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيِّ.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا الْآيَةَ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute