للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ) وَهُوَ إِخْبَارٌ بِقَبُولِهِ تَعَالَى لِنَفَقَتِهِمْ. مُؤَكَّدٌ بِافْتِتَاحِهِ بِأَدَاةِ التَّنْبِيهِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِمَا بَعْدَهَا وَهِيَ (أَلَا) وَبِـ (إِنَّ) الدَّالَّةِ عَلَى تَحْقِيقِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهَا قُرْبَةٌ) رَاجِعٌ إِلَى النَّفَقَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ: (مَا يُنْفِقُ) فَإِفْرَادُ الْقُرْبَةِ لِأَنَّهَا خَبَرٌ لِضَمِيرِ الْمُفْرَدِ.

وَقَوْلُهُ: (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ الْقُرْبَةِ، وَالْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ هُنَا الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ بِمَنْ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - وَهِيَ هِدَايَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَمَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ مِنْ دَارِ نَعِيمٍ وَمَعْنَى إِدْخَالِهِمْ فِيهَا أَنْ يَكُونُوا مَغْمُورِينَ فِيهَا وَتَكُونُ هِيَ مُحِيطَةً بِهِمْ شَامِلَةً لَهُمْ. وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ مَثَلٍ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) (٩: ٢١) وَالسِّينُ فِي قَوْلِهِ: (سَيُدْخِلُهُمْ) لِتَأْكِيدِ الْوَعْدِ وَتَحْقِيقِهِ، وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ. وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أَيْ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ يَغْفِرُ لِلْمُخْلِصِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ مَا يُلِمُّونَ بِهِ مِنْ ذَنْبٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، وَيَرْحَمُ الصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ فَيَهْدِيهِمْ بِهِ إِلَى أَحْسَنِ الْعَمَلِ وَخَيْرِ الْمَصِيرِ. وَفِي الْآيَةِ مِنْ بَلَاغَةِ الْإِيجَازِ مَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ مَقَامِ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ.

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

هَذَا تَقْسِيمٌ آخَرُ لِلْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ وَالْبَدْوِ جَمِيعًا، عَطَفَ عَلَى تَقْسِيمِ الْأَعْرَابِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ جَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ، قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>