بِقِيَاسِ رَبِّهِمْ عَلَى مُلُوكِهِمُ الظَّالِمِينَ وَأُمَرَائِهِمُ الْمُسْتَبِدِّينَ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ عِقَابَ بَعْضِ الْمُسِيئِينَ بِشَفَاعَةِ الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْهِمْ مِنْ بِطَانَتِهِمْ وَيُقَرِّبُونَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّقْرِيبَ بِشَفَاعَتِهِمْ أَيْضًا، فَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهِمْ تَمَنَّوْا لَوْ كَانُوا سُوِّيَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ وَمَا افْتَرَوْا ذَلِكَ الْكَذِبَ، وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ: أَنَّهُمْ إِذَا قَالُوا ذَلِكَ خَتَمَ اللهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ فَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، وَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا مُجَرَّدًا مَعْطُوفًا عَلَى يَوَدُّ قَالَ: إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ، وَيَعْتَرِفُونَ فِي بَعْضِهَا، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَذَّبُوا وَكَتَمُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمُ اعْتَرَفُوا وَمَا
كَذَبُوا بِأَنْ يَكُونَ حَصَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقِيضَيْنِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْآخَرُ، وَمِثْلُ هَذَا مُشَاهَدٌ فِي مُحَاكَمَةِ الْمُجْرِمِينَ فِي الدُّنْيَا يُنْكِرُونَ ثُمَّ يُقِرُّونَ، وَيُكَذِّبُونَ ثُمَّ يُصَدِّقُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتْمَانِ هُنَا كِتْمَانُ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا كَكِتْمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْبِشَارَاتِ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْكَلَامُ، وَذَهَبَ الْبَقَاعِيُّ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الْمُحْدَثُ، أَوِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ بِهِ رُسُلُهُمْ، قَالَ: أَيْ شَيْئًا أَحْدَثُوهُ، بَلْ يَفْتَضِحُونَ بِسَيِّئِ أَخْبَارِهِمْ، وَيَحْمِلُونَ جَمِيعَ أَوْزَارِهِمْ، جَزَاءً لِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ مِنْ آيَاتِهِ، وَمَا نَصَبَ لِلنَّاسِ مِنْ بَيِّنَاتِهِ.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا.
قَالَ الْبَقَاعِيُّ فِي نَظْمِ الدُّرَرِ: وَلَمَّا وَصَفَ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي يَوْمِ الْعَرْضِ، وَالْأَهْوَالَ الَّذِي أَدَّتْ فِيهِ سَطْوَةُ الْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالِ إِلَى تَمَنِّي الْعَدَمِ، وَمَنَعَتْ فِيهِ قُوَّةُ يَدِ الْقَهْرِ وَالْجَبْرِ أَنْ يَكْتُمَ حَدِيثًا، وَتَضَمَّنَ وَصْفُهُ أَنَّهُ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا مَنْ كَانَ طَاهِرَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالطَّاعَةِ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَصَفَ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الدُّنْيَا فِي مَقَامِ الْأُنْسِ وَحَضْرَةِ الْقُدُسِ الْمُنَجِّي مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالَّذِي حَظَرَتْ مَعَانِي اللُّطْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute