للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْجَمَالِ فِيهِ الِالْتِفَاتَ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَمَرَ بِالطَّهَارَةِ فِي حَالِ التَّزَيُّنِ بِهِ عَنِ الْخَبَائِثِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى إِلَخْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ: إِنَّهُمْ لَمَّا نُهُوا عَنِ الْإِشْرَاكِ بِهِ تَعَالَى نُهُوا عَمَّا يُؤَدِّي إِلَيْهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَقِيلَ: لَمَّا أُمِرُوا فِيمَا تَقَدَّمَ بِالْعِبَادَةِ أُمِرُوا هُنَا بِالْإِخْلَاصِ فِي رَأْسِ الْعِبَادَةِ.

الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَمَرَ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بِعِبَادَتِهِ وَتَرْكِ الشِّرْكِ بِهِ وَبِالْإِحْسَانِ لِلْوَالِدَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وَتَوَعَّدَ الَّذِينَ لَا يَقُومُونَ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَقَدْ عَرَفْنَا مِنْ سُوَرٍ أُخْرَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْمُرُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَامِ بِأُمُورِ الدِّينِ وَتَكَالِيفِهِ كَمَا قَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ (٢: ١٥٣) ، وَقَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (٢٩: ٤٥) ، وَقَالَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٧: ١٩ - ٢٢) ، وَقَدْ كَثُرَ فِي الْقُرْآنِ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ، لَا بِالصَّلَاةِ هَكَذَا مُطْلَقًا بَلْ بِإِقَامَتِهَا، وَإِنَّمَا إِقَامَتُهَا الْقِيَامُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْبَعِثَ الْمُؤْمِنُ إِلَيْهَا بِبَاعِثِ الشُّعُورِ بِعَظَمَةِ اللهِ وَجَلَالِهِ وَيُؤَدِّيهَا بِالْخُشُوعِ لَهُ تَعَالَى، فَهَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ الَّتِي تُعِينُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْأَوَامِرِ وَتَرْكِ النَّوَاهِي ; وَلِذَلِكَ جَاءَ ذِكْرُهَا هَاهُنَا عَقِبَ تِلْكَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الْجَامِعَةِ، وَقَدْ ذُكِرَتِ الصَّلَاةُ فِي الْقُرْآنِ بِأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ، وَذُكِرَتْ هَاهُنَا فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي حَالِ السُّكْرِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْخُشُوعُ وَالْحُضُورُ مَعَ اللهِ تَعَالَى بِمُنَاجَاتِهِ بِكِتَابِهِ، وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ، فَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ حَقِيقَتُهَا لَا مَوْضِعُهَا وَهُوَ الْمَسَاجِدُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالنَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِهَا دُونَ مُطْلَقِ الْإِتْيَانِ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ الْمَسْجِدِ؛ إِذِ النَّهْيُ عَنْ قُرْبَانِ الْعَمَلِ مَعْرُوفٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ وَفِي التَّنْزِيلِ خَاصَّةً وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (١٧: ٣٢) ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْعَمَلِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ مُقَدِّمَاتِهِ، وَمِنْ مُقَدِّمَاتِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةُ، فَقَدْ سَنَّهَا اللهُ لَنَا لِإِعْدَادِنَا لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَرِّقِينَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى مَذَاهِبِهِمُ الْمُسْتَحْدَثَةِ: إِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ، بَلْ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِالْمَحَالِّ ; إِذْ وُجِّهَ الْأَمْرُ إِلَى السَّكْرَانِ وَهُوَ لَا يَعِي الْخِطَابَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:

(أَحَدُهَا) : أَنَّ الْخِطَابَ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِ قَبْلَ السُّكْرِ بِأَنْ يَجْتَنِبَهُ إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ إِلَى التَّلَبُّسِ بِالصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهِ، فَهُوَ أَمْرٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَاجْتِنَابِ السُّكْرِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، أَقُولُ: سَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ مِنَ الْعِبَارَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَمْهِيدٌ لِتَحْرِيمِ السُّكْرِ تَحْرِيمًا قَطْعِيًّا لَا هَوَادَةَ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ يَتَّقِي أَنْ يَجِيءَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَكْرَانٌ، يَتْرُكُ الشُّرْبَ عَامَّةَ النَّهَارِ، وَأَوَّلَ اللَّيْلِ لِانْتِشَارِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ

الْمُدَّةِ، فَالْوَقْتُ الَّذِي يَبْقَى لِلسُّكْرِ فِي وَقْتِ النَّوْمِ مِنْ بَعْدِ الْعَشَاءِ إِلَى السَّحَرِ، فَيَقِلُّ الشُّرْبُ فِيهِ لِمُزَاحَمَتِهِ لِلنَّوْمِ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>