لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ (٦٠: ٨) ، وَقَوْلُهُ: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا (٢: ١٩٠) ، فَخَصَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ بِمَنْ يُقَاتِلُنَا دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْنَا اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْنِي بِمُقَابِلِ الْأَكْثَرِينَ مَنْ يَقُولُ إِنَّ فِي الْآيَاتِ نَسْخًا، وَلَا يَظْهَرُ النَّسْخُ فِيهَا إِلَّا بِتَكَلُّفٍ، فَمَا وَجْهُ الْحِرْصِ عَلَى هَذَا التَّكَلُّفِ؟ وَيَأْتِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَقِبَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَاتِ أَنَّ " الْفَاءَ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَكُونُونَ سَوَاءً لِلْعَطْفِ لَا لِلْجَوَابِ، كَقَوْلِهِ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٦٨: ٩) ، وَقَوْلُهُ: أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، مَعْطُوفٌ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ وَالتَّقْدِيرُ أَوِ الَّذِينَ جَاءُوكُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، وَقُرِئَ فِي الشُّذُوذِ " حَصِرَةٌ صُدُورُهُمْ " وَعِنْدِي أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْجُمْلَةِ بِالْحَالِ لَا قِرَاءَةً.
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ " إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ " بِصِلَةِ النَّسَبِ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُونَ قَائِلِينَ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يَتَّصِلُ نَسَبُهُمْ بِنَسَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْتَنِعْ قِتَالُهُمْ، بَلْ كَانَ أَشَدُّ الْقِتَالِ مِنْهُمْ وَعَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ قِتَالُ مَنِ اتَّصَلَ بِالْمُعَاهِدِينَ بِالنَّسَبِ؟ وَيُرِيدُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا أَغْلَقَهُ الْإِسْلَامُ، وَقَدْ سَرَى سُمُّهُ حَتَّى إِلَى بَعْضِ مَنْ رَدَّ هَذَا الْقَوْلَ فَجَعَلَهُ بُشْرَى لِمَنْ لَا بِشَارَةَ لَهُمْ فِيهِ.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute