للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ) أَبْهَمَهُ الْقُرْآنُ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ بِتَسْمِيَتِهِ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا فِي عِبْرَةٍ وَلَا حِكْمَةٍ، وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ فِي وَصْفِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَهِيَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا عَلَى جِنَايَةِ قَتْلِهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّهُ يَهُوذَا، وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ: أَنَّهُ رَأُوبِينُ (لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) الْجُبُّ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ، أَيْ غَيْرُ الْمَبْنِيَّةِ مِنْ دَاخِلِهَا بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَالْبِئْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَتُسَمَّى الْمَطْوِيَّةُ مِنْهَا طَوِيًّا، وَغَيَابَتُهُ بِالْفَتْحِ مَا يَغِيبُ عَنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ مِنْ قَعْرِهِ، أَوْ حُفْرَةٌ بِجَانِبِهِ تَكُونُ فَوْقَ سَطْحِ الْمَاءِ يَدْخُلُهَا مَنْ يُدْلِي فِيهِ لِإِخْرَاجِ شَيْءٍ وَقَعَ فِيهِ أَوْ إِصْلَاحُ خَلَلٍ عَرَضَ لَهُ، وَعُلِمَ مِنَ التَّعْرِيفِ أَنَّهُ جُبٌّ مَعْرُوفٌ كَانَ هُنَالِكَ حَيْثُ يَرْعَوْنَ، وَجَوَابُ أَلْقُوُهُ: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) وَهُمْ جَمَاعَةُ الْمُسَافِرِينَ الَّذِينَ يَسِيرُونَ فِي الْأَرْضِ يَقْطَعُونَ الْأَرْضَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ لِأَجْلِ التِّجَارَةِ، فَيَأْخُذُوهُ إِلَى حَيْثُ سَارُوا مِنَ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ فَيَتِمُّ لَكُمُ الشَّقُّ الثَّانِي مَا اقْتَرَحْتُمْ وَهُوَ إِبْعَادُهُ عَنْ أَبِيهِ: (إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) مَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْصُودُ لَكُمْ بِالذَّاتِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَجِنَايَةُ قَتْلِهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا، فَعَلَامَ إِسْخَاطُ اللهِ بِاقْتِرَافِهَا وَالْغَرَضُ يَتِمُّ بِمَا دُونَهَا؟ وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ رَأُوبِينَ مَكَرَ بِهِمْ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ وَيُرْجِعَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَأَنَّهُمْ وَضَعُوهُ فِي الْبِئْرِ وَكَانَتْ فَارِغَةً لَا مَاءَ

فِيهَا، فَمَرَّتْ سَيَّارَةٌ مِنْ تُجَّارِ الْإِسْمَاعِيلِيِّينَ (الْعَرَبِ) - مُسَافِرَةٌ إِلَى مِصْرَ، فَاقْتَرَحَ عَلَيْهِمْ يَهُوذَا إِخْرَاجَهُ وَبَيْعَهُ لَهُمْ، إِذْ لَا فَائِدَةَ لَهُمْ مِنْ قَتْلِهِ وَهُوَ مِنْ لَحْمِهِمْ وَدَمِهِمْ فَفَعَلُوا، فَهَذَا مَا دَارَ بَيْنَهُمْ وَأَجْمَعُوهُ مِنْ أَمْرِهِمْ.

(قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ) .

هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِمَا كَادُوا بِهِ أَبَاهُمْ بَعْدَ ائْتِمَارِهِمْ بِيُوسُفَ لِيُرْسِلَهُ مَعَهُمْ وَهُوَ الْحَقُّ، وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ أَبَاهُمْ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذِهَابِهِمْ.

(قَالُوا يَا أَبَانَا مَالَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) يَعْنُونَ: أَيُّ شَيْءٍ عَرَضَ لَكَ مِنَ الشُّبْهَةِ فِي أَمَانَتِنَا فَجَعَلَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ؟ وَكَانُوا قَدْ شَعَرُوا مِنْهُ بِهَذَا بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ رُؤْيَا يُوسُفَ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِهَا، كَمَا أَنَّهُ شَعَرَ مِنْهُمْ بِالتَّنَكُّرِ لَهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

كَادَ الْمُرِيبُ بِأَنْ يَقُولَ خُذُونِي

(وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) أَيْ وَالْحَالُ إِنَّا لَنَخُصَّهُ بِالنُّصْحِ الْخَالِصِ مِنْ شَائِبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>