سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ انْتَهَى بِالْآيَةِ قَبْلَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ قِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ اسْتِئْنَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْهَا، بَيَّنَ اللهُ فِيهِ بِخَاتَمِ رُسُلِهِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا سُنَنَهُ فِي ضَلَالِ الْبَشَرِ بَعْدَ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَوْمُ فِرْعَوْنَ مِنَ الْغَابِرِينَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَيَنْطَبِقُ عَلَى رُؤَسَاءِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الْمُعَانِدِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحَاضِرِينَ، وَبَيَّنَ فِي الثَّانِيَةِ جَزَاءَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، قَالَ:
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ هَذَا بَيَانٌ لِسُنَّتِهِ تَعَالَى فِي تَكْذِيبِ الْبَشَرِ لِدُعَاةِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ مِنَ الرُّسُلِ وَوَرَثَتِهِمْ، وَسَبَبُهُ الْأَوَّلُ الْكِبْرُ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْكِبْرِ أَنْ يَصْرِفَ أَهْلَهُ عَنِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى لِأَجْلِ اتِّبَاعِهِ، فَهُمْ يَكُونُونَ دَائِمًا مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الْغَافِلِينَ عَنْهَا، وَتِلْكَ حَالُ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ الضَّالِّينَ كَفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ عَامَّةً مِنْ أَخْلَاقِ الْبَشَرِ بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِإِعْلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الطَّاغِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ مَشْيَخَةِ قَوْمِهِ لَنْ يَنْظُرُوا فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بَيَّنَّاهَا مِرَارًا، وَالدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ - تَعَالَى - بِمَا أَقَامَتْهُ عَلَيْهَا الْبَرَاهِينُ الْكَثِيرَةُ، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا أَيَّدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ بِهِ مِنْ آيَاتِهِ الْكَوْنِيَّةِ، لِتَكَبُّرِهُمْ فِي الْأَرْضِ بِالْبَاطِلِ، فَوُجْهَةِ نَظَرِهِمْ تَنْحَصِرُ فِي تَفْضِيلِ أَنْفُسِهِمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ سَادَةُ قُرَيْشٍ وَكُبَرَاؤُهَا وَأَغْنِيَاؤُهَا وَأَقْوِيَاؤُهَا، فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوا مَنْ هُوَ دُونَهُمْ سِنًّا وَقُوَّةً وَثَرْوَةً وَعَصَبِيَّةً، وَالْمَعْنَى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ مِنْ قَوَّمِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، كَمَا صَرَفْتُ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ عَنْ آيَاتِي
الَّتِي آتَيْتُهَا رَسُولِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute