للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى حَالَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَقِتَالِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَمَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبَيَانِ حُكْمِ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ عَنْهُ، وَيَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْأَنْفُسَ صَارَتْ تَتَشَوَّفُ إِلَى هَذَا الْبَيَانِ، وَتَتَسَاءَلُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوِ الْمَقَالِ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا أَيْ: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، أَيْ لِأَجْلِهِمْ وَفِي شَأْنِهِمْ، فَاللَّامُ لِلتَّبْلِيغِ: إِنْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عُدْوَانِكَ وَعِنَادِكَ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَالْقِتَالِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ غَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، يَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَلَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَيَغْفِرُ لَهُمُ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْ إِجْرَامِهِمْ فَلَا يُطَالِبُونَ قَاتِلًا مِنْهُمْ بِدَمٍ، وَلَا سَالِبًا أَوْ غَانِمًا بِسَلَبٍ أَوْ غُنْمٍ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ " إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَكُمْ " بِالْخِطَابِ، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: " فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ " وَإِنْ يَعُودُوا إِلَى الْعَدَاءِ وَالصَّدِّ وَالْقِتَالِ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَيْ: تَجْرِي عَلَيْهِمْ سُنَّتُهُ الْمُطَّرِدَةُ فِي أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ عَادُوا وَقَاتَلُوهُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا يَوْمَ بَدْرٍ وَالْأُمَمِ قَبْلَ ذَلِكَ، أَقُولُ: وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٥٨: ٢٠، ٢١) وَقَوْلِهِ: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٤٠: ٥١) فَإِضَافَةُ السُّنَّةِ إِلَى الْأَوَّلِينَ، لِمُلَابَسَتِهَا لَهُمْ وَجَرَيَانِهَا عَلَيْهِمْ.

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ أَيْ: وَقَاتِلْهُمْ حِينَئِذٍ أَيُّهَا الرَّسُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>