الْجُزْءُ السَّادِسُ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا.
بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ مِنْ أَوَاخِرِ الْجُزْءِ الْمَاضِي مَوْقِعَ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ مِمَّا قَبْلَهَا بِالْإِجْمَالِ، وَلِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مُنَاسِبَةٌ مَعَ مَا قَبْلَهُمَا وَمَا بَعْدَهُمَا وَإِنْ كَانَتَا كَالْغَرِيبَتَيْنِ فِي هَذَا السِّيَاقِ الشَّارِحِ لِأَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ وَمُحَاجَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ; فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ عُيُوبِهِمْ وَمَفَاسِدِهِمْ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَتَحْذِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مِثْلِ أَعْمَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَكْرَهُ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (٥٧: ١٦) ثُمَّ بَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ حُكْمَ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ وَإِبْدَاءِ الْخَيْرِ وَإِخْفَائِهِ لِئَلَّا يَسْتَدِلَّ الْمُؤْمِنُونَ بِذِكْرِ عُيُوبِ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ أَوْ مَشْرُوعِيَّتِهِ إِذَا كَانَ حَقًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَفْشُو ذَلِكَ فِيهِمْ، وَفِيهِ مِنَ الضَّرَرِ مَا تَرَى بَيَانَهُ فِيمَا يَلِي:
قَالَ تَعَالَى: لَا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ يُنْسَبُ الْحُبُّ وَالْبُغْضُ أَوِ الْكُرْهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الَّذِي يَلِيقُ بِهِ، وَيَلْزَمُ الْحُبَّ الرِّضَا وَالْإِثَابَةُ وَضِدَّهُ ضِدُّهُمَا، وَالْجَهْرُ يُقَابِلُ السِّرَّ وَالْإِخْفَاءَ وَالْكِتْمَانَ، وَالسُّوءُ مِنَ الْقَوْلِ: مَا يَسُوءُ مَنْ
يُقَالُ فِيهِ، كَذِكْرِ عُيُوبِهِ وَمَسَاوِيهِ، وَاللهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَجْهَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِذِكْرِ الْعُيُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْجَهْرِ مَفْسَدَتَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute