للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ هُوَ الْعَدْلُ. وَقَدْ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: الْعَيْنُ وَالْأَنْفُ وَالْأُذُنُ وَالسِّنُّ بِالرَّفْعِ ; أَيْ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ. . . إِلَخْ. وَلَهُمْ فِي إِعْرَابِهَا عِدَّةُ وُجُوهٍ. وَقَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى النَّفْسِ.

(وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: الْجُرُوحُ بِالرَّفْعِ أَيْضًا، وَالْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ ; أَيْ ذَوَاتَ قِصَاصٍ، تُعْتَبَرُ فِي جَزَائِهَا الْمُسَاوَاةُ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أَيْ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا ثَبَتَ لَهُ مِنَ حَقِّ الْقِصَاصِ بِأَنْ عَفَا عَنِ الْجَانِي فَهَذَا التَّصَدُّقُ كَفَّارَةٌ لَهُ يُكَفِّرُ اللهُ بِهَا ذُنُوبَهُ وَيَعْفُو عَنْهُ كَمَا عَفَا عَنْ أَخِيهِ.

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وَكُلُّ مَنْ كَانَ بِصَدَدِ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ فَأَعْرَضَ عَمَّا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْقِصَاصِ الْمَبْنِيِّ عَلَى قَاعِدَةِ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَكَمَ بِهَوَاهُ أَوْ بِحُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللهِ فَضَّلَهُ عَلَيْهِ - فَهُوَ مِنَ الظَّالِمِينَ حَتْمًا؛ إِذِ الْخُرُوجُ عَنِ الْقِصَاصِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَفْضِيلِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَضْمِ حَقِّ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَظُلْمِهِ.

أَمَّا مِصْدَاقُ هَذَا الْقِصَاصِ مِنَ التَّوْرَاةِ الَّتِي فِي الْأَيْدِي، فَهُوَ فِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ، فَفِيهِ بَعْدَ عِدَّةِ ذُنُوبٍ تُوجِبُ الْقَتْلَ مَا نَصُّهُ: (٢٣ وَإِنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْسًا بِنَفْسٍ ٢٤ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ، وَسِنًّا بِسِنٍّ، وَيَدًا بِيَدٍ، وَرِجْلًا بِرِجْلٍ ٢٥، وَكَيًّا بِكَيٍّ، وَجُرْحًا بِجُرْحٍ، وَرَضًّا بِرَضٍّ) يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ فِي الْفَصْلِ (٢٤) مِنْ سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ (١٧ وَإِذَا أَمَاتَ أَحَدٌ إِنْسَانًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ١٨، وَمَنْ أَمَاتَ بَهِيمَةً يُعَوِّضُ عَنْهَا نَفْسًا بِنَفْسٍ ١٩ وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا فَكَمَا فَعَلَ كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِهِ

٢٠ كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ، كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الْإِنْسَانِ كَذَلِكَ يُحْدَثُ فِيهِ) فَصَرَّحَ بِعُمُومِ الْقِصَاصِ بِالْمِثْلِ فَدَخَلَ فِيهِ الْأُذُنُ وَالْأَنْفُ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَلَا أَذْكُرُ لَهُ نَقْلًا عَنِ التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي وَعْظِ الْمَسِيحِ عَلَى الْجَبَلِ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى، أَنَّهُ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ، وَالسِّنِّ بِالسِّنِّ، وَوَصَّى بِأَلَّا يُقَاوَمَ الشَّرُّ بِالشَّرِّ، وَهُوَ أَمْرٌ بِالْعَفْوِ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ هُمْ أَشَدُّ أَهْلِ الْأَرْضِ انْتِقَامًا وَمُقَاوَمَةً لِلشَّرِّ بِأَضْعَافِهِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ أَخْفَاهُمُ الزَّمَانُ فِي زَوَايَا بَعْضِ الْبِلَادِ.

(وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) أَيْ وَبَعَثْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بَعْدَ أُولَئِكَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْكُمُونَ بِالتَّوْرَاةِ، مُتَّبِعًا أَثَرَهُمْ، جَارِيًا عَلَى سُنَنِهِمْ، مُصَدِّقًا لِلتَّوْرَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ أَوْ بِحَالِهِ، وَلَفْظُ قَفَّى مَأْخُوذٌ مِنَ الْقَفَا، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ، يُقَالُ: قَفَاهُ، وَقَفَا إِثْرَهُ يَقِفُوهُ، وَاقْتَفَاهُ: إِذَا اتَّبَعَهُ وَسَارَ وَرَاءَهُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، وَقَفَّاهُ بِهِ تَقْفِيَةً جَعَلَهُ يَقْفُوهُ، أَوْ يَقْفُو أَثَرَهُ. قَالَ تَعَالَى: (وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ٢: ٨٧) قَالَ فِي الْأَسَاسِ: وَقَفَّيْتُهُ وَقَفَيْتُهُ بِهِ وَقَفَّيْتُ بِهِ عَلَى أَثَرِهِ: إِذَا أَتْبَعْتُهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ قُفْيَةُ آبَائِهِ، وَقِفِيُّ أَشْيَاخِهِ، تِلْوَهُمْ. انْتَهَى. أَيْ يَتْلُوهُمْ، وَيَسِيرُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ. وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَشَرِيعَتُهُ هِيَ التَّوْرَاةُ، وَلَكِنَّ النَّصَارَى نَسَخُوهَا وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهَا اتِّبَاعًا لَبُولَسَ. عَلَى أَنَّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>