للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمَصُ النَّاسِ وَبَطَرُ الْحَقِّ: رَدُّهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَتَرَفُّعًا أَوْ عِنَادًا، وَغَمْصُ النَّاسِ وَغَمْطُهُمُ: احْتِقَارُهُمْ وَالِازْدِرَاءُ بِهِمْ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَذَكَرَ الْكِبْرَ وَعَظَّمَهُ فَبَكَى ثَابِتٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " مَا يُبْكِيكَ "؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ الْجَمَالَ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَحْسُنَ شِرَاكُ نَعْلِي، قَالَ: فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْكِبَرِ أَنْ تُحَسِّنَ رَاحِلَتَكَ وَرَحْلَكَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ، وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا جَمِيلًا أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ الْجَمَالَ وَقَدْ أُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى حَتَّى مَا أُحِبُّ أَنْ يَفُوقَنِي أَحَدٌ بِشِرَاكِ نَعْلٍ فَمِنَ الْكِبْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَا، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ، وَمِنَ الْخُيَلَاءِ

إِطَالَةُ الثِّيَابِ وَجُرُّ الْأَذْيَالِ بَطَرًا، وَمِنْهُ مِشْيَةُ الْمَرَحِ، فَتَرَى الشَّابَّ يَتَمَطَّى وَيَمْرَحُ وَيَأْرُنُ كَالْمُهْرِ أَوِ الْعِجْلِ وَيَضْرِبُ بِرِجْلَيْهِ الْأَرْضَ: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (١٧: ٣٧) ، وَلَكِنْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ، وَمِثْلُهُ التَّعْلِيمُ الْعَسْكَرِيُّ، وَالْفَخُورُ: كَثِيرُ الْفَخْرِ يَعُدُّ مَنَاقِبَهُ وَيُزَكِّي نَفْسَهُ تَعَاظُمًا وَتَطَاوُلًا عَلَى النَّاسِ وَتَعْرِيضًا بِنَقْصِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ عَنْ بُلُوغِ مَدَاهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْخَلَّتَيْنِ ـ الْخُيَلَاءِ وَكَثْرَةِ الْفَخْرِ هُوَ التَّنَاهِي فِي الْكِبْرِيَاءِ وَالْعُتُوِّ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِاحْتِقَارِ خَلْقِهِ، وَالِامْتِنَاعِ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بَدَلًا مِنَ الْفَخْرِ وَالزَّهْوِ عَلَيْهِمْ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَلَا سِيَّمَا أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَانُوا يَتَفَاخَرُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ صَرِيحًا فَتَرَكُوهُ، وَالْفَخْرُ فِي الشِّعْرِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ التَّرْغِيبُ فِي الْفَضِيلَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ مَذْمُومًا.

ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حَالَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَبِّرِينَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ كَرَدْمُ بْنُ زَيْدٍ حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ، وَبَحْرِيُّ بْنُ عُمَرَ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ كُلُّهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، يَأْتُونَ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ يَنْتَصِحُونَ لَهُمْ فَيَقُولُونَ لَهُمْ: لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا، وَلَا تُسَارِعُوا فِي النَّفَقَةِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا يَكُونُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ـ إِلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيمًا وَرَوَى ابْنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ: " هُمْ أَعْدَاءُ اللهِ أَهْلُ الْكِتَابِ بَخِلُوا بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَكَتَمُوا الْإِسْلَامَ وَمُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ "، وَبِنَاءً عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>