لُزُومَهُنَّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَتَعْجَبُونَ لِرَحْمَةِ أُمِّ الْأَفْرَاخِ بِفِرَاخِهَا؟ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ: ((وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أُمِّ الْأَفْرَاخِ بِفِرَاخِهَا، ارْجِعْ بِهِنَّ حَتَّى تَضَعَهُنَّ حَيْثُ أَخَذْتَهُنَّ، وَأُمُّهُنَّ مَعَهُنَّ)) ، فَرَجَعَ بِهِنَّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَرَوَى مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا حَدِيثَيْنِ خُلَاصَتُهُمَا أَنَّ اللهَ غَفَرَ لِرَجُلٍ وَلِامْرَأَةٍ بَغِيٍّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا رَأَى كَلْبًا قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ فَرَحِمَهُ وَأَخْرَجَ لَهُ الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ بِخُفِّهِ فَسَقَاهُ، قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ: ((فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)) وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنْ غَيْرِهِ بِلَفْظِ ((فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ)) .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَرَوَيْنَاهُ مُسَلْسَلًا بِالْأَوَّلِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ أُسْتَاذِنَا الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَبِي الْمَحَاسِنِ الْقَاوَقْجِيِّ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ((إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فِيهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوُحُوشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) - وَفِي رِوَايَةٍ - وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (١٥: ٤٩، ٥٠) وَيَقُولُ: (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (١٢: ٨٧) وَيَقُولُ: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا
يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (٧: ٩٩) وَمَا دَامَ الْمُؤْمِنُ حَيًّا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ اللهَ خَوْفًا يُرْهِبُهُ وَيَزْجُرُهُ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَأَنْ يَرْجُوَهُ رَجَاءً يُرَغِّبُهُ فِي ثَوَابِهِ وَمَا يُرْضِيهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ مَجْهُولٌ لَنَا، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذْلِيِّ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: ((وَقَدْ أَبْهَمْتَ الْأَمْرَ عَلَيْنَا لِنَرْجُوَ وَنَخَافَ، فَآمِنْ خَوْفَنَا، وَلَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا)) اللهُمَّ آمِينْ.
خَاطِبَ اللهُ تَعَالَى بِمَا تَقَدَّمَ كُلِّهِ أُمَّةَ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَهُمْ جَمِيعُ النَّاسِ، فَمَوْعِظَةُ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنْ شِفَاءٍ مِنْ أَمْرَاضِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالرَّذَائِلِ، وَهُدَاهُ إِلَى الْحَقِّ وَالْفَضَائِلِ مُوَجَّهَاتٌ إِلَى الْجَمِيعِ، وَخَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا تُثْمِرُهُ الثَّلَاثُ مِنَ الرَّحْمَةِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهَا، ثُمَّ خَاطَبَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُبَلِّغَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ يَحِقُّ لَهُمْ أَنْ يَفْرَحُوا بِفَضْلِ اللهِ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَبِهَذِهِ الرَّحْمَةِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ لِاسْتِجْمَاعِهِمْ كُلَّ مَا ذُكِرَ قَبْلَهَا مِنْ مَقَاصِدِ تَشْرِيعِهِ فَقَالَ:
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) فَضْلُ اللهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ عَظِيمٌ وَهُوَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَعْظَمُ، وَرَحْمَتُهُ الْعَامَّةُ لَهُمْ وَبِهِمْ وَاسِعَةٌ، وَرَحْمَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْمُؤْمِنِينَ أَوْسَعُ، وَبِكُلٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute