(وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) .
الْمُحَاجَّةُ: الْمُجَادَلَةُ وَالْمُغَالَبَةُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ، وَالْحُجَّةُ الدَّلَالَةُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْمَحَجَّةِ، أَيِ الْمَقْصِدِ الْمُسْتَقِيمِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ. وَأَصْلُ الْمَحَجَّةِ وَسَطُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتُطْلَقُ الْحُجَّةُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْلِي بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فِي إِثْبَاتِ دَعْوَاهُ أَوْ رَدِّ دَعْوَى خَصْمِهِ، فَتُقَسَّمُ إِلَى حُجَّةٍ نَاهِضَةٍ يَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ، وَحُجَّةٍ دَاحِضَةٍ يُمَوَّهُ بِهَا الْبَاطِلُ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ حُجَّةً عَلَى سَبِيلِ ادِّعَاءِ الْخَصْمِ - حِكَايَةً لِقَوْلِهِ - وَاصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَتِهَا شُبْهَةً.
وَلَمَّا حَاجَّ إِبْرَاهِيمُ قَوْمَهُ بِبَيَانِ بُطْلَانِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَرُبُوبِيَّةِ الْكَوْكَبِ، وَإِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَوُجُوبِ عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ - وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ - حَاجُّوهُ بِبَيَانِ أَوْهَامِهِمْ فِي شِرْكِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَتَيِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّعَرَاءِ أَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا لَهُ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ بِتَقْلِيدِ آبَائِهِمْ، وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَحْتَجَّ، وَلَكِنَّهُ يُجَادِلُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَخْضَعُ لِلْحُجَّةِ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَجِدُوا حُجَّةً عَقْلِيَّةً عَلَى شِرْكِهِمْ بِاللهِ خَوَّفُوهُ أَنْ تَمَسَّهُ آلِهَتُهُمْ بِسُوءٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ مَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ، بِقَوْلِهِ: (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) (٢٦: ٧٢ - ٧٤) وَقَبْلَ وَاقِعَةِ تَكْسِيرِهِ لِأَصْنَامِهِمُ الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّهُمْ
رَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَاعْتَرَفُوا بِظُلْمِهِمْ، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ مُصِرِّينَ عَلَى شِرْكِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute