للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَجِيئَانِ اسْمَيْ زَمَانٍ

وَمَكَانٍ أَيْضًا. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهَا نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ أَمْرِهِمْ بِرُكُوبِ السَّفِينَةِ مَعَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَتَكُونُ بِشَارَةً لَهُمْ بِحِفْظِهِ - تَعَالَى - لَهَا وَلَهُمْ، أَيْ: بَاسْمِ اللهِ جَرَيَانُهَا وَإِرْسَاؤُهَا فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَحِفْظِهِ وَعِنَايَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوهَا كَمَا يَقُولُهَا عَلَى تَقْدِيرِ: ارْكَبُوا فِيهَا قَائِلِينَ بِاسْمِ اللهِ، أَيْ بِتَسْخِيرِهِ وَقُدْرَتِهِ ((مَجْرَاهَا)) حِينَ تَجْرِي أَوْ حِينَ يُجْرِيهَا ((وَمُرْسَاهَا)) حِينَ يُرْسِيهَا، لَا بِحَوْلِنَا وَلَا قُوَّتِنَا (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أَيْ: إِنَّهُ لَوَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ لِعِبَادِهِ حَيْثُ لَمْ يُهْلِكْهُمْ جَمِيعَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ، وَإِنَّمَا يُهْلِكُ الْكَافِرِينَ الظَّالِمِينَ وَحْدَهُمْ، رَحِيمٌ بِهِمْ بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ هَذِهِ السَّفِينَةَ لِنَجَاةِ بَقِيَّةِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الطُّوفَانِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ مَشِيئَتُهُ، أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ وَغَيْرُهُمْ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَمَانٌ لِأُمَّتِي مِنَ الْغَرَقِ إِذَا رَكِبُوا الْفُلْكَ أَنْ يَقُولُوا: بِاسْمِ اللهِ الْمَلِكِ الرَّحْمَنِ بِاسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا)) الْآيَةَ (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) الْآيَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ آيَةُ سُورَةِ الزُّمَرِ (٣٩: ٦٧) وَاللهُ أَعْلَمُ.

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) هَذَا تَصْوِيرٌ لِحَالِهَا فِي جَرْيِهَا بِهِمْ كَأَنَّهَا حَاضِرَةٌ أَمَامَ الْقَارِئِ أَوِ السَّامِعِ، أَيْ تَجْرِي فِي أَثْنَاءِ مَوْجٍ يُشْبِهُ الْجِبَالَ فِي عُلُوِّهِ وَارْتِفَاعِهِ وَامْتِدَادِهِ، وَهُوَ مَا يَحْدُثُ فِي ظَاهِرِ الْبَحْرِ عِنْدَ اضْطِرَابِهِ مِنَ التَّمَوُّجِ وَالِارْتِفَاعِ بِفِعْلِ الرِّيَاحِ، وَاحِدُهُ مَوْجَةٌ وَجَمْعُهُ أَمْوَاجٌ، وَأَصْلُ الْمَوْجِ الِاضْطِرَابُ وَمِنْهُ: (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) (١٨: ٩٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>