للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّصْرِ، يَعْنِي أَنَّ نَصْرَ اللهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مِنْ نَصْرِ الْكَافِرِينَ لِمَنْ يَنْصُرُونَهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا الْمُتَبَادِرُ لَنَا أَنَّ الْآيَةَ تَعْلِيلٌ أَوْ تَصْوِيرٌ لِكَوْنِهِ - تَعَالَى - خَيْرُ النَّاصِرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ، مُبَيِّنَةٌ لِبَعْضِ وُجُوهِهِ تَبْيِينًا يُقَبِّحُ لَهُمُ الشِّرْكَ وَيَزِيدُهُمْ حُبًّا فِي الْإِيمَانِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ سَيُحَكِّمُ فِي أَعْدَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ سُنَّتَهُ الْعَادِلَةَ، وَهِيَ أَنَّهُ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعُبَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَبِهِ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَبِسُكُونِهَا وَبِهِ قَرَأَ الْبَاقُونَ، وَهُوَ شِدَّةُ الْخَوْفِ الَّتِي تَمْلَأُ الْقَلْبَ بِسَبَبِ إِشْرَاكِهِمْ بِاللهِ أَصْنَامًا وَمَعْبُودَاتٍ لَمْ يُنَزِّلْ بِهَا سُلْطَانًا،

أَيْ لَمْ يُقِمْ بُرْهَانًا مِنَ الْعَقْلِ وَلَا مِنَ الْوَحْيِ عَلَى مَا زَعَمُوا مِنْ أُلُوهِيَّتِهَا وَكَوْنِهَا وَاسِطَةً بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا قَلَّدُوا فِي اتِّخَاذِهَا وَاعْتِقَادِهَا آبَاءَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ فِي دِينِهِ، وَلَا مُتَّبِعٍ لِلدَّلِيلِ فِي اعْتِقَادِهِ فَهُوَ دَائِمًا عُرْضَةٌ لِاضْطِرَابِ الْقَلْبِ وَاتِّبَاعٍ خَطَرَاتِ الْوَهْمِ، يَعُدُّ الْوَسْوَاسَ أَسْبَابًا وَيَرَى الْهَوَاجِسَ مُؤَثِّرَاتٍ وَعِلَلًا قِيَاسًا عَلَى اتِّخَاذِهِ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ أَوْلِيَاءَ وَجَعْلِهِمْ وَسَائِطَ عِنْدَ اللهِ وَشُفَعَاءَ، وَاعْتِيَادِهِ بِذَلِكَ أَنْ يَرْجُوَ مَا لَا يُرْجَى مِنْهُ خَيْرٌ، وَيَخَافُ مَا لَا يُخَافُ مِنْهُ ضَيْرٌ، فَالْإِشْرَاكُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا طَبِيعِيًّا لِوُقُوعِ الرُّعْبِ فِي الْقَلْبِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ يُسْنِدُهُ إِلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ ; لِأَنَّهُ هُوَ وَاضِعُ الْأَسْبَابِ وَالسُّنَنِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا لِيَكُونَ بُرْهَانًا عَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَسُوءِ أَثَرِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ الْمُخْتَارُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ جَعَلَ الْوَعِيدَ فِيهَا عَامًّا وَلَيْسَ كُلُّ الْكُفْرِ يُثِيرُ الرُّعْبَ بِطَبِيعَتِهِ، وَإِنَّمَا تِلْكَ طَبِيعَةُ الشِّرْكِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّ لِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ تَأْثِيرًا غَيْبِيًّا وَرَاءَ السُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْأَسْبَابِ.

وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: سَنُلْقِي وَعْدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْجَزَهُ اللهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي أَوَّلِ الْحَرْبِ، وَلَا يَظْهَرُ هَذَا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَقْدِيرٍ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ قَبْلَ الْقِتَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا عَقِبَ الْقِتَالِ وَانْصِرَافِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْوَعْدَ أُنْجِزَ فِي غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، إِذْ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ أُحُدٍ أَنْ يَرْجِعُوا لِاسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ فَأَوْقَعَ اللهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ لَمَّا قَالَ لَهُمْ مَعْبَدٌ مَا قَالَ (رَاجِعْ ص٨٨ مِنَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ ط الْهَيْئَةِ) .

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ:

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ إِلْقَاءَ الرُّعْبِ خَاصٌّ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَلَوْ كَانَ عَامًّا لَشَمَلَ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ - وَلَمْ يَكُنِ الْكُفَّارُ فِيهَا مَرْعُوبِينَ، بَلْ كَانُوا مُسْتَمِيتِينَ وَكَذَلِكَ نَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْكَافِرِينَ قَدْ حَارَبُوا وَلَمْ يُصِبْهُمُ الرُّعْبُ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ مُفَسِّرُنَا (الْجَلَالُ) وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>