للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حِكْمَةُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، هِيَ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ عَاقِبَةَ فِرْعَوْنَ وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ اللَّعْنَةُ وَالْهَلَاكُ كَكُفَّارِ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الظَّالِمِينَ، وَلَكِنَّ عَذَابَ الْخِزْيِ لَمْ يَشْمَلْ جَمِيعَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا سَبَقَنَا إِلَى مِثْلِهِ، وَلَمَّا كَانَ إِرْسَالُ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْنَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى إِرْسَالِ شُعَيْبٍ إِلَى مَدْيَنَ لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَوْعِهِ الْمُشْتَرِكِ مَعَ إِرْسَالِ صَالِحٍ وَهُودٍ - عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ - وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى - ٩٦ وَقَدْ بَيَّنَّا حِكْمَةَ اخْتِلَافِهِ عَمَّا قَبْلَهُ فَرَاجِعْهُ.

- وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ - أَيْ بِآيَاتِنَا التِّسْعِ الْمَعْدُودَةِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمُفَصَّلَةِ فِي غَيْرِهَا (وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي قِصَّتِهِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ) ، - وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ - أَيْ وَبُرْهَانٍ وَاضِحِ الْبَيَانِ، وَهُوَ مَا آتَاهُ اللهُ مِنَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ فِي مُحَاوَرَاتِهِ مَعَ فِرْعَوْنَ. وَقِيلَ: هِيَ الْعَصَا لِأَنَّهَا أَكْبَرُ آيَاتِهِ، وَعَطَفَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَلَكِنَّ اللهَ قَالَ: وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ٤٣: ٤٨

- إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ - بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ الْمَلَأَ أَشْرَافُ الْقَوْمِ وَزُعَمَاؤُهُمْ، وَأَضَافَهُمْ إِلَى فِرْعَوْنَ وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالِاسْتِشَارَةِ فِي دَوْلَتِهِ الَّذِينَ يَسْأَلُهُمْ رَأْيَهُمْ فِي مُوسَى وَغَيْرِهِ، وَيَعْهَدُ إِلَيْهِمْ بِتَنْفِيذِ مَا يَتَقَرَّرُ مِنَ الْأُمُورِ

كَمَسْأَلَةِ السَّحَرَةِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ قَوْمُهُ فِي مَقَامِ الِاتِّبَاعِ لَهُ فِي الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَعَذَابِ الْآخِرَةِ دُونَ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ - فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ - فِي كُلِّ مَا قَرَّرَهُ مِنَ الْكُفْرِ بِمُوسَى، وَجَمْعِ السَّحَرَةِ لِإِبْطَالِ مُعْجِزَتِهِ، وَمِنْ قَتْلِ السَّحَرَةِ لِإِيمَانِهِمْ بِهِ، وَمِنْ تَشْدِيدِ الظُّلْمِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَقْتِيلِ أَبْنَائِهِمْ وَاسْتِحْيَاءِ نِسَائِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي قِصَّتِهِ مِنَ السُّوَرِ الْأُخْرَى - وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ - أَيْ: مَا شَأْنُهُ وَتَصَرُّفُهُ بِذِي رُشْدٍ وَهَدْيٍ، بَلْ هُوَ مَحْضُ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ، وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ. فِي غُرُورِهِ بِنَفْسِهِ وَكَفْرِهِ بِرَبِّهِ وَطُغْيَانِهِ فِي حُكْمِهِ، وَمَاذَا يَكُونُ جَزَاؤُهُ مَعَ قَوْمِهِ فِي الْآخِرَةِ؟ الْجَوَابُ.

- يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَيْ يَتَقَدَّمُهُمْ وَيَكُونُونَ تَبَعًا لَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا كَانُوا تَابِعِينَ لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا - فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ - أَيْ: فَيُورِدُهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ مَعَهُ، أَيْ: يُدْخِلُهُمْ إِيَّاهَا، فَالْإِيرَادُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِدْخَالِ كَمَا اسْتُعْمِلَ الْوُرُودُ بِمَعْنَى الدُّخُولِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بِإِغْرَائِهِ إِيَّاهُمْ قَدْ جَعَلَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ لَهَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ آلَهُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا مُنْذُ مَاتُوا صَبَاحًا وَمَسَاءً مِنْ كُلِّ يَوْمٍ وَهُوَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: - وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ - ٤٠: ٤٥ و٤٦.

- وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ - هِيَ لِأَنَّ وَارِدَ الْمَاءِ يَرِدُهُ لِتَبْرِيدِ كَبِدِهِ وَإِطْفَاءِ غَلَّتِهِ مِنْ حَرِّ الظَّمَأِ، وَوَارِدُ النَّارِ يَحْتَرِقُ فِيهَا احْتِرَاقًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْخَيْبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>