للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) .

(الر) تُقْرَأُ هَذِهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ بِأَسْمَائِهَا سَاكِنَةً غَيْرَ مُعْرَبَةٍ هَكَذَا: أَلِفْ، لَامْ، رَا.

وَالْحَرْفُ الْأَخِيرُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ. وَفَائِدَةُ النُّطْقِ بِهَا وَبِأَمْثَالِهَا هَكَذَا تَنْبِيهُ الَّذِينَ تُتْلَى عَلَيْهِمُ السُّورَةُ لِمَا بَعْدَهَا لِأَجْلِ الْعِنَايَةِ بِفَهْمِهِ حَتَّى لَا يَفُوتَهُمْ مِنْ سَمَاعِهِ شَيْءٌ، وَهِيَ أَقْوَى فِي هَذَا التَّنْبِيهِ مِنْ حَرْفِ الْهَاءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَمِنْ كَلِمَةِ ((أَلَا)) الِافْتِتَاحِيَّةِ، وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ.

(تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) أَيْ تِلْكَ الْآيَاتُ الْبَعِيدَةُ الشَّأْوِ، الرَّفِيعَةُ الشَّأْنِ الَّتِي تَأَلَّفَتْ مِنْهَا هَذِهِ السُّورَةُ، أَوِ الْقُرْآنُ كُلُّهُ، هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمَوْصُوفِ بِالْحِكْمَةِ فِي مَعَانِيهِ، وَالْأَحْكَامِ فِي مَبَانِيهِ، الْحَقِيقِ بِهِدَايَةِ مُتَدَبِّرِهِ وَوَاعِيهِ.

(أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ عَجَبِ الْكُفَّارِ وَاسْتِنْكَارِ إِنْكَارِهِمْ لِلْوَحْيِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَالْوَحْيُ الْإِعْلَامُ الْخَفِيُّ

الْخَاصُّ لِامْرِئٍ بِمَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ. أَيْ أَكَانَ إِيحَاؤُنَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ أَمْرًا نُكْرًا اتَّخَذُوهُ أُعْجُوبَةً بَيْنَهُمْ يَتَفَكَّهُونَ بِاسْتِغْرَابِهَا؟ كَأَنَّ مُشَارَكَتَهُمْ لَهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ يَمْنَعُ اخْتِصَاصَ اللهِ إِيَّاهُ بِمَا شَاءَ مِنَ الْعِلْمِ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ كُفَّارُ مَكَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِي إِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالنَّاسِ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ عَلَى الرِّسَالَةِ قَدْ سَبَقَتْهُمْ إِلَيْهَا أَقْوَامُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>