حِذْرَكُمْ وَلَا تَغْفُلُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ، وَلَا عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ، فَإِنَّ عَدْوَكُمْ لَا يَغْفُلُ عَنْكُمْ وَلَا يَرْحَمُكُمْ، وَالضَّرُورَةُ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا، بِمَا هَدَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، كَإِعْدَادِ كُلِّ مَا يُسْتَطَاعُ مِنَ الْقُوَّةِ وَأَخْذِ الْحَذَرِ، وَالِاعْتِصَامِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّبْرِ، وَرَجَاءِ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرِّضْوَانِ وَالْأَجْرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَذَابَ ذَا الْإِهَانَةِ هُوَ عَذَابُ الْغَلَبِ وَانْتِصَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ إِذَا قَامُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ النَّفْسِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا السِّيَاقِ كَالْأَمْرِ بِذِكْرِ اللهِ كَثِيرًا وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ (٤: ١٠٤) ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ (٩: ١٤) ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَنْفِي مَا رُبَّمَا يَخْطُرُ فِي الْبَالِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِأَخْذِ السِّلَاحِ وَالْحَذَرِ يُشْعِرُ بِتَوَقُّعِ النَّصْرِ لِلْأَعْدَاءِ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْآيَةِ لِلْمَرْضَى، نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
وَكَانَ جَرِيحًا، وَالْمَعْنَى عِنْدِي أَنَّ الْآيَةَ قَدِ انْطَبَقَ حُكْمُهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ قَدْ نَزَلَتْ فِي سِيَاقِ الْآيَاتِ بِأَحْكَامٍ أَعَمَّ وَأَشْمَلَ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُسْفَانَ فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ وَعَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظَّهْرَ فَقَالُوا: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَصَبْنَا غُرَّتَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: يَأْتِي عَلَيْهِمُ الْآنَ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ; فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، الْحَدِيثَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ جَرِيرٍ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرِبْنِ عَبْدِ اللهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، انْتَهَى مِنْ لُبَابِ النُّقُولِ.
كَيْفِيَّاتُ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي السُّنَّةِ
(١) وَرَدَ فِي أَدَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَلَاةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةً - كَيْفِيَّاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إِلَى سَبْعَ عَشْرَةَ وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ مِنْ أَنَّ أُصُولَهَا سِتٌّ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي وَقَائِعِهَا وَاعْتَمَدَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ كَيْفِيَّةٍ مِنْهَا صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهَاكَ أُصُولُهَا الْمَشْهُورَةُ.
رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ (وَفِي لَفْظٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ) أَنَّ طَائِفَةً صُفَّتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ - أَيْ تُجَاهَهُ مُرَاقَبَةً لَهُ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute