طَالَ أَوْ قَصُرَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْآيَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي السُّنَّةِ مَا يُقَيِّدُ هَذَا الْإِطْلَاقَ، وَبَيَّنَّا ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَيْضًا وَنَذْكُرُ مِنْهَا الْفَتْوَى الْآتِيَةَ نَقْلًا مِنَ الْمُجَلَّدِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الْمَنَارِ وَهِيَ: (س ٥٢) مِنْ م. ب. ع. فِي سمبس برنيو (جاوه) .
حَضْرَةُ فَخْرِ الْأَنَامِ، سَعْدِ الْمِلَّةِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ، سَيِّدِي الْأُسْتَاذُ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ مُحَمَّدْ رَشِيدْ رِضَا صَاحِبُ مِجَلَّةِ الْمَنَارِ الْغَرَّاءِ أَدَامَ اللهُ بِعَزِيزِ وَجُودِهِ النَّفْعَ، آمِينَ.
وَبَعْدُ إِهْدَاءُ أَشْرَفِ التَّحِيَّةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ فَيَا سَيِّدِي وَعُمْدَتِي أَرْجُو مِنْكُمُ الِالْتِفَاتَ إِلَى مَا أُلْقِيهِ إِلَيْكُمْ مِنَ الْأَسْئِلَةِ لِتُجِيبُونِي عَنْهَا وَهِيَ - وَذَكَرَ أَسْئِلَةً - مِنْهَا:
هَلْ تُحَدُّ مَسَافَةُ الْقَصْرِ بِحَدِيثٍ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسْفَانَ وَإِلَى الطَّائِفِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ أَرْبَعَةٌ الْبُرُدُ هِيَ ثَمَانِيَةٌ
وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ؟ وَعَلَيْهِ فَكَمْ يَكُونُ قَدْرَ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَبِرَةِ شَرْعًا بِحِسَابِ كِيلُو مِتْرٍ؟ أَفْتُونَا فَتْوَى لَا نَعْمَلُ إِلَّا بِهَا وَلَا نُعَوِّلُ إِلَّا عَلَيْهَا فَلَا زِلْتُمْ مَشْكُورِينَ وَكُنَّا لَكُمْ ذَاكِرِينَ:
ج: الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ ضَعِيفٍ، وَقَدْ نَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى الْكَذِبِ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ رَوَيَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذْ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ حِينَ سُئِلَ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَشُعْبَةُ هُوَ الشَّاكُّ فِي الْفَرَاسِخِ وَقَدْ يُقَالُ الْأَقَلُّ هُوَ الْمُتَيَقِّنُ، وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ حِكَايَةُ حَالٍ لَا تَحْدِيدَ فِيهَا، وَالْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فِي الْأَقْوَالِ فَهَلْ يُعَدُّ حُجَّةً فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ؟ وَهُنَاكَ وَقَائِعُ أُخْرَى فِيمَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَافَةِ.
فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا سَافَرَ فَرْسَخًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَأَقَرَّهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ مِيلٌ وَاحِدٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ حَزْمٍ وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَدَمُ التَّحْدِيدِ، وَقَدْ فَصَّلْنَا ذَلِكَ فِي [ص ٤١٦ و٦٤٩ مِنَ الْمُجَلَّدِ السَّابِعِ مِنَ الْمَنَارِ] .
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْبَرِيدَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَأَصْلُ الْمِيلِ مَدُّ الْبَصَرِ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ يَمِيلُ عَنْهُ فَلَا يُرَى، وَحُدُودُهُ بِالْقِيَاسِ، فَقَالُوا: هُوَ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ، الذِّرَاعُ ١٤ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ حَبَّاتٍ مِنَ الشَّعِيرِ مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ بِقَدَمِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ أَيِ الْفَرْسَخُ ٥٥٤١ مِتْرًا اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute