شَيْئًا لِإِعَانَتِهِمْ. وَثَانِيهِمَا: مَا يَتَخَوَّفُ الْمُؤْمِنُ مِنْ إِصَابَةِ الْعُقُوبَاتِ الْآفَاقِيَّةِ إِيَّاهُ بِذَهَابِ الْجَوَائِحِ بِمَالِهِ إِذَا هُوَ بَغَى وَظَلَمَ؟ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ: مَا سَأَلَنِي عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَحْثِ، وَهُوَ مَا مَعْنَى جَعْلِ الشُّهُبِ رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَمَنْعِهَا إِيَّاهُمْ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ لِمَعْرِفَةِ الْوَحْيِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لِلشُّهُبِ أَسْبَابًا طَبِيعِيَّةً؟ وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْحَكِيمَ الْخَبِيرَ - الَّذِي يُوَفِّقُ أَقْدَارًا لِأَقْدَارٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَ السَّبَبِ وَمُسَبِّبِهِ وَبَيْنَ أُمُورٍ أُخْرَى تَسُوقُهَا أَسْبَابٌ خَاصَّةٌ بِهَا لِحِكْمَةٍ وَرَاءَ تِلْكَ الْأَسْبَابِ - هُوَ الَّذِي جَعَلَ لِهَذِهِ الظَّاهِرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ تِلْكَ الْحِكْمَةَ الْغَيْبِيَّةَ الَّتِي بَيَّنَهَا الْوَحْيُ وَنَطَقَ بِهَا الذِّكْرُ، وَمِثْلُهَا فِي عَالِمِ الطَّبِيعَةِ كَثِيرٌ، وَلَعَلَّ لِبَعْضِ الْمَادِّيَّاتِ تَأْثِيرًا فِي الْأَرْوَاحِ الْغَيْبِيَّةِ كَتَأْثِيرِهَا فِي أَرْوَاحِنَا وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [١٧: ٨٥] أَكْتَفِي هُنَا بِهَذَا التَّنْبِيهِ إِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَمْ أَرَ فِي كِتَابٍ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ لِسَانِ أَحَدٍ قَوْلًا فِيهَا وَإِنَّ لَهَا لِمَوَاضِعَ أُخْرَى مِنَ التَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [٤٢: ٣٠] وَسَنَعْقِدُ لَهَا فَصْلًا فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَهُنَالِكَ نُجِيبُ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ.
قَالَ - تَعَالَى -: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ يَعْنِي أُولَئِكَ الَّذِينَ أَهْلَكَتِ الرِّيحُ ذَاتُ الصِّرِّ حَرْثَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَانَ هَلَاكُ زَرْعِهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ لَا إِيذَاءً آنِفًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ تَأْكِيدًا ذَاهِبًا بِكُلِّ شُبْهَةٍ. وَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ لِلْمُنْفِقِينَ الَّذِينَ ضُرِبَ الْمَثَلُ لِبَيَانِ حَالِهِمْ، فَهُمُ الْمَقْصُودُونَ بِالذَّاتِ. وَالْمَعْنَى مَا ظَلَمَهُمُ اللهُ بِأَنْ لَمْ يَنْفَعْهُمْ بِنَفَقَاتِهِمْ بَلْ هُمْ هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا بِإِنْفَاقِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ فِي الطُّرُقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ بِحَسَبِ سُنَّةِ اللهِ فِي أَعْمَالِ الْإِنْسَانِ.
أَمَّا كَوْنُهُمْ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ دُونَ غَيْرِهَا أَوْ دُونَ أَنْ يَظْلِمَهُمْ أَحَدٌ - كَمَا تَقَدَّمَ أَخْذًا مِنْ تَقْدِيمِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى عَامِلِهِ - فَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا كَانَ يُنْفِقُهُ أَهْلُ مَكَّةَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوِ الْيَهُودُ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُقَاوَمَتِهِ، إِذْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ اخْتَارُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَضُرُّوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ بِهِ، بَلْ كَانُوا سَبَبَ سِيَادَتِهِ عَلَيْهِمْ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُمْ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتِلْكَ النَّفَقَاتِ مَا كَانَ يَضَعُهُ الْمُنَافِقُونَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبِرِّ رِيَاءً وَسُمْعَةً أَوْ تَقِيَّةً، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَيَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا فِي الْكَافِرِ الَّذِي يُنْفِقُ فِي طُرُقِ الْبِرِّ حُبًّا فِي الْبِرِّ وَرَغْبَةً فِي الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُرَائِي - لَا تُفِيدُهُ نَفَقَتُهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْإِيمَانُ، وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِتَرْكِ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا ظَهَرَتْ لَهُ، أَوْ بِالْجُحُودِ بَعْدَ النَّظَرِ وَنُهُوضِ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ نَفَقَتَهُ لَا تُفِيدُهُ فِي الْآخِرَةِ أَنَّهَا لَا تَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَلَا يُوجَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute