للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ لَا بِأَعْمَالِهِمْ، فَحَذَّرَنَا اللهُ أَنْ نَكُونَ مِثْلَهُمْ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَمَانِيُّ قَدْ دَبَّتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ (٥٧: ١٦) الْآيَةَ، فَهَذَا خِطَابٌ لِلَّذِينِ كَانُوا ضُعَفَاءَ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَلِأَمْثَالِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ حِينَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْمَوْعِظَةَ وَبِمَا آلَ وَمَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمَرْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَدَبَّرُوا قَوْلَهُ لَمَا كَانَ لِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَمَانِيِّ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ، فَقَدْ بَيَّنَ لَهُمْ طُرُقَ الْغُرُورِ وَمَدَاخِلَ الشَّيْطَانِ فِيهَا، وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ عَنِ الْحَسَنِ لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ وَقَالَ الْحَسَنُ: " إِنَّ قَوْمًا غَرَّتْهُمُ الْمَغْفِرَةُ فَخَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَهُمْ مَمْلُوءُونَ بِالذُّنُوبِ وَلَوْ صَدَقُوا لَأَحْسَنُوا الْعَمَلَ ".

ثُمَّ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بَعْدَ هَذَا حَالَ مُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ فِي غُرُورِهِمْ وَأَمَانِيِّهِمْ وَمَدْحِ دِينِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْعَمَلَ بِهِ وَبَيَّنَ أَصْنَافَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّا قَالَهُ: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ تَبَعًا لِمَنْ قَبْلَهُمْ فِي أَزْمِنَةٍ مَضَتْ: إِنَّ الْإِسْلَامَ أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، أَيُّ دِينٍ أَصْلَحَ إِصْلَاحَهُ؟ أَيُّ دِينٍ أَرْشَدَ إِرْشَادَهُ؟ أَيُّ شَرْعٍ كَشَرْعِهِ فِي كَمَالِهِ؟ وَلَوْ

سُئِلَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ: مَاذَا فَعَلَ الْإِسْلَامُ وَبِمَاذَا يَمْتَازُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ؟ لَا يُحِيرُ جَوَابًا وَإِذَا عَرَضَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَسُئِلَ كَشْفَهَا حَاصَ حَيْصَةَ الْحُمُرِ، وَقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ أَعُوذُ بِاللهِ، وَالضَّالُّ يَبْقَى عَلَى ضَلَالِهِ، وَالطَّاعِنُ فِي الدِّينِ يَتَمَادَى فِي طَعْنِهِ، وَالْمَغْرُورُ يَسْتَرْسِلُ فِي غُرُورِهِ، فَالْكَلَامُ كَثِيرٌ وَلَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ يَرْفَعُ شَأْنَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ بِإِيضَاحٍ لِبَعْضِ الْجُمَلِ وَاخْتِصَارٍ فِي بَيَانِ ضُرُوبِ الْغُرُورِ وَأَصْنَافِ الْمُغْتَرِّينَ.

مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللهِ لِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَفَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَنُوطًا بِالْأَمَانِيِّ وَالتَّشْبِيهَاتِ وَغُرُورِ النَّاسِ بِدِينِهِمْ، كَانَ مَنْ يَسْمَعُ هَذَا النَّفْيَ جَدِيرًا بِأَنْ يَتَشَوَّفَ إِلَى اسْتِبَانَةِ الْحَقِّ وَالْوُقُوفِ عَلَى حُكْمِ اللهِ فِيهِ، وَيَجْعَلُهُ مَوْضُوعَ السُّؤَالِ، فَبَيَّنَهُ عَزَّ وَجَلَّ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ سُوءًا يَلْقَى جَزَاءَهُ ; لِأَنَّ الْجَزَاءَ بِحَسَبِ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِلْعَمَلِ لَا يَتَخَلَّفُ فِي اتِّبَاعِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَيَنْزِلُ بِغَيْرِهِمْ كَمَا يَتَوَهَّمُ أَصْحَابُ الْأَمَانِيِّ وَالظُّنُونِ فَعَلَى الصَّادِقِ فِي دِينِهِ الْمُخْلِصِ لِرَبِّهِ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا هَدَاهُ إِلَيْهِ كِتَابُهُ وَرَسُولُهُ، وَيَجْعَلُهُ مِعْيَارَ سَعَادَتِهِ لَا كَوْنَ ذَلِكَ الْكِتَابِ أَكْمَلَ، وَذَلِكَ الرَّسُولِ أَفْضَلَ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ دِينُهُ أَكْمَلَ تَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي التَّقْصِيرِ أَقْوَى، وَقَدْ رُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ أَنَّ هَذِهِ الْكُلِّيَّةَ الْعَامَّةَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ، رَاعَتْ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَأَخَافَتْهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَقَالَ: مَنْ يَنْجُ مَعَ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>