للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يُوصَفُونَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ، وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُمْ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ، وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ.

(٢) أَنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَجْعَلُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَعَالِي ذَلِكَ السُّورِ تَمْيِيزًا لَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَلِأَنَّهُمْ شُهَدَاؤُهُ عَلَى الْأُمَمِ، وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ الرَّازِيُّ.

(٣) أَنَّهُمْ عُدُولُ الْأُمَمِ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ حَكَاهُ الزُّهْرِيُّ، فَكَمَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ يَشْهَدُ عَلَى أُمَّتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءُ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْأُمَمِ بَعْدَهُ - ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ فِي الْأُمَمِ شُهَدَاءَ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) (٤: ٤١) وَقَالَ فِي خِطَابِ هَذِهِ الْأُمَّةِ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٢: ١٤٣) وَقَالَ فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ

وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (٣٩: ٦٩) إِلَخْ. وَهَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءُ هُمْ حُجَّةُ اللهِ عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِفَضَائِلِهِمْ وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، وَالْتِزَامِهِمْ لِلْخَيْرِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَوْلَاهُمْ لَفُقِدَتِ الْقُدْوَةُ الصَّالِحَةُ.

(٤) أَنَّهُمُ الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ ذُو الْجَنَاحَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَجْلِسُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنَ الصِّرَاطِ يُعْرَفُونَ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ وَمُبْغِضِيهِمْ بِسَوَادِهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَ الْآلُوسِيُّ أَنَّ الضَّحَّاكَ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ نَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ تَفَاسِيرِ الشِّيعَةِ، وَفِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ كُلًّا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ بِسِيمَاهُمْ، أَيْ فَيُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمْ أَوْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَمْيِيزِ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ عَلَى الصِّرَاطِ لِمَنْ كَانَ يُبْغِضُهُمْ مِنَ الْأُمَوِيِّينَ، وَمَنْ يُبْغِضُونَ عَلِيًّا خَاصَّةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالنَّوَاصِبِ وَأَيْنَ الْأَعْرَافُ مِنَ الصِّرَاطِ؟ هَذَا بَعِيدٌ عَنْ نَظْمِ الْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ جِدًّا.

(٥) قَوْلُ مُجَاهِدٍ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. وَهَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا تُعْقَلُ حِكْمَتُهُ إِذَا رُدَّ إِلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ فِيهِ غَرَابَةً.

وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ - بِكَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنَ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ، وَالتَّعْبِيرُ بِرِجَالٍ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَالتَّغْلِيبُ لَا يَظْهَرُ هُنَا، كَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ خِلَافًا لِأَبِي مِجْلَزٍ إِذْ لَوْ أُرِيدَ هَذَا أَوْ ذَاكَ لَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ يَقْبَلُهُ كَأَنْ يَقُولَ: " عِبَادٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ " وَيُنَافِي كَوْنَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا آخِرُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، كَمَا يُنَافِي كَوْنَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ أَوِ الشُّهَدَاءَ وَكَذَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>