فِي نَظِيرِهِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَاهِدُ حَقٍّ وَاقِعٍ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ فِي مَوْضُوعِ دَأْبِ الْقَوْمِ، وَفِي الْجَزَاءِ عَلَيْهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا فِيمَا اخْتَلَفَ بِهِ التَّعْبِيرُ مِنَ الْآيَتَيْنِ، فَالْآيَةُ السَّابِقَةُ فِي بَيَانِ كُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ، وَهُوَ جَحْدُ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الرُّسُلِ مِنْ وَحْدَانِيَّةِ اللهِ، وَوُجُوبِ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ إِلَخْ. وَفِي تَعْذِيبِ اللهِ إِيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ. فَتَكْرَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِحَقِّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَفِي الْجَزَاءِ الدَّائِمِ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ
الَّذِي يَبْتَدِئُ بِالْمَوْتِ وَيَنْتَهِي بِدُخُولِ النَّارِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ هُوَ الْمُرَبِّي لَهُمْ بِنِعَمِهِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِيهَا اسْمَ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَيْهِمْ بَدَلَ اسْمِ الْجَلَالَةِ هُنَاكَ - فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ تَكْذِيبُ الرُّسُلِ وَمُعَانَدَتُهُمْ وَإِيذَاؤُهُمْ وَكُفْرُ النِّعَمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَعْثِهِمْ وَالسَّابِقَةِ عَلَيْهَا، وَفِي الْجَزَاءِ عَلَى ذَلِكَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ كَقَوْلِهِ فِي آيَةِ الْعَنْكَبُوتِ: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٢٩: ٤٠) .
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ مَا يَحْفَظُهُ التَّارِيخُ مِنْ وَقَائِعِ الْأُمَمِ مِنْ دَأْبِهَا وَعَادَتِهَا فِي الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَالظُّلْمِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ عِقَابِ اللهِ إِيَّاهَا، هُوَ جَارٍ عَلَى سُنَّتِهِ تَعَالَى الْمُطَّرِدَةِ فِي الْأُمَمِ، وَلَا يَظْلِمُ تَعَالَى أَحَدًا بِسَلْبِ نِعْمَةٍ، وَلَا إِيقَاعِ نِقْمَةٍ، وَإِنَّمَا عِقَابُهُ لَهُمْ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ، لِكُفْرِهِمْ وَفَسَادِهِمْ وَظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ - هَذَا هُوَ الْمُطَّرِدُ فِي كُلِّ الْأُمَمِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ. وَأَمَّا عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ بِعَذَابٍ سَمَاوِيٍّ فَهُوَ خَاصٌّ مِمَّنْ طَلَبُوا الْآيَاتِ مِنَ الرُّسُلِ، وَأَنْذَرَهُمُ الْعَذَابَ إِذَا كَفَرُوا بِهَا فَفَعَلُوا.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُون
َ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute