للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْمَسْأَلَةِ شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا هُوَ جَدِيرٌ بِالدِّفَاعِ عَنْهَا، بِمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا كَاذِبَةٌ فِي اتِّهَامِهَا إِيَّاهُ بِإِرَادَةِ السُّوءِ بِهَا، وَأَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ مُرَاوَدَتِهَا إِيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ.

(وَمِنْهَا) مَسْأَلَةُ انْتِشَارِ خَبَرِهَا مَعَهُ وَخَوْضِ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ فِي افْتِتَانِهَا بِهِ وَإِذْلَالِ نَفْسِهَا بِبَذْلِهَا لَهُ مَعَ إِعْرَاضِهِ عَنْهَا.

(وَمِنْهَا) مَسْأَلَةُ مَكْرِ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ وَأَعْمَقِهِنَّ كَيْدًا مَعَهُ، إِذْ حَاوَلْنَ رُؤْيَتَهُ وَتَوَاطَأْنَ عَنْ مُرَاوَدَتِهِ وَدَهْشَتِهِنَّ مِمَّا شَاهَدْنَ مِنْ جَمَالِهِ، حَتَّى قَطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بَدَلًا مِمَّا فِي أَيْدِيهِنَّ وَهُنَّ لَا يَشْعُرْنَ.

فَجَمِيعُ هَذِهِ الْآيَاتِ تُثْبِتُ أَنَّ بَقَاءَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ بَيْنَ رَبَّتِهَا وَصَدِيقَاتِهَا مِنْ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ مَثَارُ فِتْنَةٍ لِلنِّسَاءِ لَا تُدْرَكُ غَايَتُهَا، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ وَالصَّوَابَ فِي أَمْرِهَا هُوَ تَنْفِيذُ رَأْيِهَا الْأَوَّلِ فِي سِجْنِهِ - وَإِنْ كَانَتْ سَيِّئَةَ النِّيَّةِ مَاكِرَةً فِيهِ - لِإِخْفَاءِ ذِكْرِهِ، وَكَفِّ أَلْسِنَةِ النَّاسِ عَنْهَا فِي أَمْرِهِ، (فَأَقْسَمُوا لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينَ) أَيْ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، حَتَّى يَكُونُوا مُطْلَقِي الْحُرِّيَّةِ فِي طُولِ مُكْثِهِ وَقَصْرِهِ وَإِخْرَاجِهِ، وَيَرَوْا مَا يَكُونُ مِنْ تَأْثِيرِ السِّجْنِ فِيهِ وَحَدِيثِ النَّاسِ عَنْهُ. وَهَذَا الْقَرَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مَالِكَةً لِقِيَادِ زَوْجِهَا الْوَزِيرِ الْكَبِيرِ، تَقُودُهُ بِقَرْنَيْهِ كَيْفَ شَاءَ هَوَاهَا، وَأَنَّهُ كَانَ فَاقِدًا لِلْغَيْرَةِ كَأَمْثَالِهِ مِنْ كُبَرَاءِ الدُّنْيَا صِغَارِ الْأَنْفُسِ عَبِيدِ الشَّهَوَاتِ، وَقَدْ أَعْجَبَنِي فِيهِ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ عَلَى قِلَّةِ مَا أَعْجَبَنِي مِنْ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي شَوَّهَتْهَا عَلَيْهِمُ الرِّوَايَاتُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ الْمُخْتَرَعَةُ وَالْعِنَايَةُ بِإِعْرَابِهَا؛ قَالَ فِي تَفْسِيرِ مَا رَأَوْا مِنَ الْآيَاتِ: وَهِيَ الشَّوَاهِدُ عَلَى بَرَاءَتِهِ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلَّا بِاسْتِنْزَالِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَفَتْلِهَا مِنْهُ فِي الذُّرْوَةِ وَالْغَارِبِ وَكَانَ مِطْوَاعًا لَهَا، وَجَمَلًا ذَلُولًا زِمَامُهُ فِي يَدِهَا، حَتَّى أَنْسَاهُ

ذَلِكَ مَا عَايَنَ مِنَ الْآيَاتِ، وَعَمِلَ بِرَأْيِهَا فِي سِجْنِهِ لِإِلْحَاقِ الصَّغَارِ بِهِ كَمَا أَوْعَدَتْهُ، وَذَلِكَ لَمَّا أَيِسَتْ مِنْ طَاعَتِهِ، وَطَمِعَتْ فِي أَنْ يُذَلِّلَهُ السِّجْنُ وَيُسَخِّرَهُ لَهَا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>