الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَغَيْرِهِمْ إِيَّاهَا مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ إِيَّاهَا مِنْ يَدِ الْمُتَصَدِّقِ (الثَّانِيَةُ) أَخْذُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَهْدِهِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ إِيَّاهَا لِأَجْلِ وَضْعِهَا فِي مَصَارِفِهَا الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا (الثَّالِثَةُ) أَخْذُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا وَهُوَ قَبُولُهَا لِلْإِثَابَةِ عَلَيْهَا بِالْمُضَاعَفَةِ الَّتِي وَعَدَهَا. وَفِي التَّعْبِيرِ بِأَخْذِ اللهِ تَعَالَى بَعْدَ قَوْلِهِ لِلنَّبِيِّ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) تَشْرِيفٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مَا أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ: (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أَيْ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ مُذْنِبٍ يَشْعُرُ بِضَرَرِ ذَنْبِهِ، وَيَتُوبُ عَنْهُ مُنِيبًا إِلَى رَبِّهِ مَهْمَا يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ. (الرَّحِيمُ) بِالتَّائِبِينَ الَّذِي يُثِيبُهُمْ. فَصِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ (التَّوَّابُ) تَتَحَقَّقُ بِكَثْرَةِ التَّائِبِينَ وَبِتَكْرَارِ التَّوْبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَمْنَعُهُ
الْخَوْفُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُصِرَّ عَلَى ذَنْبِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمُتَّقِينَ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٣: ١٣٥) وَفِي الْحَدِيثِ: " مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً ". رَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ((مَا تَصَدَّقَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ - إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ)) وَالْحَدِيثُ تَمْثِيلٌ لِمُضَاعَفَتِهِ تَعَالَى لِلصَّدَقَةِ الْمَقْبُولَةِ:
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ بِأَنَّ وَبِضَمِيرِ الْفَصْلِ، الدَّالَّةُ عَلَى الْحَصْرِ، وَمَا فِيهَا مِنْ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ مِنَ التَّوْبَةِ، وَمُبَالَغَةُ الصِّفَةِ الرَّاسِخَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ تُفِيدُ أَعْظَمَ الْبُشْرَى لِلتَّائِبِينَ، وَأَبْلَغَ التَّرْغِيبِ فِي التَّوْبَةِ لِلْمُذْنِبِينَ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَدَبِّرِينَ.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) ، إِلَخْ، أَيْ: وَقُلْ لَهُمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: اعْمَلُوا لِدُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ وَلِأَنْفُسِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ (حَذْفُ مُتَعَلِّقِ الْعَمَلِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) فَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْعَمَلِ لَا بِالِاعْتِذَارِ عَنِ التَّقْصِيرِ، وَلَا بِدَعْوَى الْجِدِّ وَالتَّشْمِيرِ، وَخَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَنُوطَانِ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ وَلَا عَلَى النَّاسِ أَيْضًا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُرَاقِبُوهُ تَعَالَى فِي أَعْمَالِكُمْ، وَتَتَذَكَّرُوا أَنَّهُ نَاظِرٌ إِلَيْكُمْ، عَلِيمٌ بِمَقَاصِدِكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ، وَجَدِيرٌ بِمَنْ يُؤْمِنُ بِرُؤْيَةِ اللهِ لِعَمَلِهِ أَنْ يُتْقِنَهُ، وَأَنْ يُخْلِصَ لَهُ النِّيَّةَ فِيهِ، فَيَقِفُ فِيهِ عِنْدَ حُدُودِ شَرْعِهِ، وَيَتَحَرَّى بِهِ تَزْكِيَةَ نَفْسِهِ وَالْخَيْرَ لِخُلُقِهِ، وَلَا يَكْتَفِي فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute