للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَظَاهِرُ مَعْنَى الْعِبَارَةِ هُنَا: آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَ مَقَاصِدِكُمُ الَّتِي تَوَجَّهْتُمْ إِلَيْهَا فِي كَيْدِ الْإِسْلَامِ، وَنَرُدَّهَا خَاسِئَةً حَاسِرَةً إِلَى الْوَرَاءِ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَنَصْرِهِ عَلَيْكُمْ وَفَضِيحَتِكُمْ فِيمَا تَأْتُونَهُ بِاسْمِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمَكَانَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْقُوَّةِ، فَهَذَا مَا نُفَسِّرُهَا بِهِ عَلَى جَعْلِ الطَّمْسَ وَالرَّدَّ عَلَى الْأَدْبَارِ مَعْنَوِيَّيْنِ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَلَكِنْ أَوْجَزَ فَقَالَ: نَطْمِسَ وُجُوهًا عَنْ صِرَاطِ الْحَقِّ فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا فِي الضَّلَالَةِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي مَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ، وَرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ فَنُعْمِيهَا عَنِ الْحَقِّ وَنُرْجِعُهَا كُفَّارًا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي أَنْ نَرُدَّهُمْ عَنِ الْهُدَى وَالْبَصِيرَةِ، فَقَدْ رَدَّهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ فَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ: أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْذُورِينَ عِنْدَ اللهِ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ كَأَنَّهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (٧: ١٥٩) ، فَحَذَّرَهُمْ مِنْ إِرْجَاءِ الْإِيمَانِ وَالتَّسْوِيفِ بِهِ أَنْ يَطُولَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدُ، فَيَصْعُبَ عَلَيْهِمُ الْإِيمَانُ، وَيَضْعُفَ اسْتِعْدَادُهُمْ لِقَبُولِهِ بِتَعَلُّقِ قَوْمِهِمْ بِهِمْ وَغُرُورِهِمْ بِجَاهِهِمْ فِيهِ.

وَجَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ حِسِّيًّا ظَاهِرِيًّا فَقَالَ: الْمَعْنَى نَطْمِسُ آثَارَهُمْ مِنَ الْحِجَازِ وَنَرُدُّهُمْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ بِالْجَلَاءِ إِلَى فِلَسْطِينَ وَالشَّامِ، وَهِيَ بِلَادُهُمُ الَّتِي جَاءُوا الْحِجَازَ مِنْهَا، وَرَوَاهُ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ جَعْلُ وُجُوهِهِمْ فِي أَقْفِيَتِهِمْ، وَفَهِمَ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَهْدِيدٌ بِالْمَسْخِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ أَوْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ إِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ وَقَدْ آمَنَ بَعْضُهُمْ، وَالْوَجْهُ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ

أَوَّلًا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ، فَقَالَ: طَمْسُ الْوَجْهِ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ مَا يُغَطِّيهِ فَيَمْنَعَ صَاحِبَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى مَقْصِدِهِ، وَمَتَّى بَطَلَ التَّوَجُّهُ الصَّحِيحُ إِلَى الْمَقْصِدِ امْتَنَعَ السَّعْيُ إِلَيْهِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْوُصُولِ، وَذَلِكَ هُوَ الْخِذْلَانُ وَالْخَيْبَةُ، أَيْ: آمِنُوا قَبْلَ أَنْ نُعَمِّيَ عَلَيْكُمُ السَّبِيلَ بِمَا نُبَصِّرُ الْمُؤْمِنِينَ بِشُئُونِكُمْ وَنُغْرِيهِمْ بِكُمْ فَتُرَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكِمْ بِأَنْ يَكُونَ سَعْيُكُمْ إِلَى غَيْرِ خَيْرِكُمْ.

وَأَوْرَدَ الرَّازِيُّ وُجُوهًا أُخْرَى، مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوهِ الرُّؤَسَاءُ أَيْ: قَبْلَ أَنْ نُزِيلَ وَجَاهَتَهُمْ وَعِزَّهُمْ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِطَمْسِ الْوُجُوهِ تَقْبِيحُ صُورَتِهَا كَمَا يُقَالُ: طَمَسَ اللهُ وَجْهَهُ وَقَبَّحَ اللهُ وَجْهَهُ بِمَعْنَى تَقْبِيحِ صُورَتِهَا، يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِمَا يُلَاقُونَهُ مِنَ الذُّلِّ وَالْكَآبَةِ يُغْلَبُونَ عَلَى أَمْرِهِمْ.

أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ هَدَّدَهُمْ بِالطَّمْسِ، أَوِ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِذْلَالُ الْمَعْنَوِيُّ، ثُمَّ أَنْفَذَ الثَّانِيَ أَيْ: عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الطَّمْسَ بِمَعْنَى الْمَسْخِ، وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ بِمَعْنَى الْخِذْلَانِ أَوِ الْإِخْرَاجِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَجِوَارِهَا إِلَى الشَّامِ، فَيَقُولُ: إِنَّ الْأَوَّلَ قَدْ حَصَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>