الْقُرْآنُ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْمَرْأَةِ فِي الْعِدَّةِ مَحْرَمٌ قَطْعًا، وَلِأَجْلِهِ حَرُمَتْ خِطْبَتُهَا فِيهَا، وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
ثُمَّ قَالَ: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) أَيْ: يَعْلَمُ مَا تُضْمِرُونَهُ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الْعَزْمِ فَاحْذَرُوا أَنْ تَعْزِمُوا مَا حَظَرَهُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذَا التَّحْذِيرُ رَاجِعٌ لِلْأَحْكَامِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنَ التَّعْرِيضِ وَغَيْرِهِ جَاءَ عَلَى أُسْلُوبِ
الْقُرْآنِ وَسُنَّتِهِ فِي قَرْنِ الْأَحْكَامِ بِالْمَوْعِظَةِ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا، تَأْكِيدًا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَالِالْتِفَاتِ إِلَيْهَا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْعِلْمَ بِمَا فِي النَّفْسِ أَعَمُّ مِنَ الْخَبَرِ بِالْعَمَلِ، فَيُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِمَا خُتِمَتْ بِهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ; لِأَنَّ لِكُلِّ كَلِمَةٍ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَثَرًا مَخْصُوصًا فِي النَّفْسِ، وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَمَا دَامَتِ الْحَاجَةُ مَاسَّةً إِلَى شَيْءٍ فَلَا يُقَالُ: إِنَّ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ تَكْرَارًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ وَتَعَدَّدَ وَلَوْ بَلَغَ الْأُلُوفَ بِلَفْظِهِ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا تَنَوَّعَ بِعُمُومٍ أَوْ خُصُوصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَقَوْلُهُ: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) بَعْدَ مَا وَرَدَ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ يُبَيِّنُ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ مَخْرَجًا بِالتَّوْبَةِ إِذَا هُوَ تَعَدَّى شَيْئًا مِنَ الْحُدُودِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ غَفُورٌ لَهُ حَلِيمٌ لَا يُعَجِّلُ بِعُقُوبَتِهِ، بَلْ يُمْهِلُهُ; لِيُصْلِحَ بِحُسْنِ الْعَمَلِ مَا أَفْسَدَ بِمَا سَبَقَ مِنَ الزَّلَلِ.
(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .
قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْجُنَاحِ الْمَنْفِيِّ هُنَا هُوَ التَّبِعَةُ مِنَ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ، لَا الْإِثْمُ وَالْوِزْرُ، وَأَوْرَدُوا هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا وَجَّهُوهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَثِيرًا مَا يَنْهَى عَنِ الطَّلَاقِ، فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّ فِيهِ جُنَاحًا فَنَفَتْهُ الْآيَةُ، وَهُوَ كَمَا تَرَى يَتَبَرَّأُ مِنْهُ السِّيَاقُ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْجُنَاحِ نَفْيُ الْمَنْعِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: عَدَمُ الْمَسِيسِ، وَعَدَمُ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ. وَالْمَسِيسُ اسْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute