إِذْ كَانَ يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِهَا وَكَانَ يَكْتُمُ ذَلِكَ لِيَبْغَتَ قُرَيْشًا عَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ مِنْهَا فَتُضْطَرُّ إِلَى
قَبُولِ الصُّلْحِ - وَمَا كَانَ يُرِيدُ حَرْبًا - وَأَرْسَلَ حَاطِبٌ كِتَابَهُ مَعَ جَارِيَةٍ وَضَعَتْهُ فِي عِقَاصِ شَعْرِهَا فَأَعْلَمَ اللهُ نَبِيَّهُ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِهَا عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ قَالَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ! إِنِّي كُنْتُ حَلِيفًا لِقُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قُرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ وَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، قَالُوا: وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ [٦٠: ١] إِلَخْ. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي نُفَسِّرُهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ، فَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ سَهْوٌ ; سَبَبُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا نَزَلْ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ يَشْتَرِكَانِ فِي النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ، وَمَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ حَاطِبٍ - وَهُوَ مُعْظَمُ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ - يُفَسِّرُ لَنَا أَوْ يُفَصِّلُ جَمِيعَ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ; لِأَنَّ مَا فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ مُفَصَّلٌ، وَهُوَ مِنْ آخِرِهَا أَوْ آخِرُهَا نُزُولًا، وَمَا عَدَاهُ مُجْمَلٌ يُبَيِّنُهُ الْمُفَصَّلُ.
يَزْعُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِالْهَوَى فِي الرَّأْيِ أَنَّ آيَةَ آلِ عِمْرَانَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ النَّهْيِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [٥: ٥١] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُخَالِفُوا أَوْ يَتَّفِقُوا مَعَ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ أَوْ الِاتِّفَاقُ لِمَصْلَحَتِهِمْ، وَفَاتَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُحَالِفًا لِخُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ، بَلْ يَزْعُمُ بَعْضُ الْمُتَحَمِّسِينَ فِي الدِّينِ - عَلَى جَهْلٍ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحْسِنَ مُعَامَلَةَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ أَوْ مُعَاشَرَتَهُ أَوْ يَثِقُ بِهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، وَقَدْ جَاءَتْنَا وَنَحْنُ نَكْتُبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِحْدَى الصُّحُفِ فَرَأَيْنَا فِي أَخْبَارِهَا الْبَرْقِيَّةَ أَنَّ الْأَفْغَانِيِّينَ الْمُتَعَصِّبِينَ سَاخِطُونَ عَلَى أَمِيرِهِمْ أَنْ عَاشَرَ الْإِنْكِلِيزَ فِي الْهِنْدِ وَوَاكَلَهُمْ وَلَبِسَ زِيَّ الْإِفْرِنْجِ، وَأَنَّهُمْ عَقَدُوا اجْتِمَاعًا حَكَمُوا فِيهِ
بِكُفْرِهِ وَوُجُوبِ خَلْعِهِ مِنَ الْإِمَارَةِ، فَأُرْسِلَتِ الْجُنُودُ لِتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ، فَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الْمُتَحَمِّسِينَ الْجَاهِلِينَ أَضَرُّ الْخَلْقِ بِالْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَبْعَدُ عَنْ حَقِيقَتِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَالَمِينَ، وَمَاذَا فَهِمَ أَمْثَالُ أُولَئِكَ الْأَفْغَانِيِّينَ مِنَ الْقُرْآنِ، عَلَى عُجْمَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ بِأَسَالِيبِهِ وَبِعَمَلِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بِهِ!
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا مِثَالُهُ مَبْسُوطًا: الْأَوْلِيَاءُ: الْأَنْصَارُ، وَالِاتِّخَاذُ يُفِيدُ مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute