لِلَّهِ - تَعَالَى - لَنَكَحْتُهَا فَأَنْكَحْتُهَا نَافِعًا " فَانْظُرْ كَيْفَ رَاوَدَتْهُ نَفْسُهُ بَعْدَ عِتْقِهَا أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا يُفَارِقَهَا لَوْلَا أَنْ كَانَ مِمَّا تَرَبَّتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ الْعَالِيَةُ أَلَّا يَعُودَ فِي شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلَّهِ، وَانْظُرْ كَيْفَ خَصَّ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَوْلَاهُ نَافِعًا الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ كَوَلَدِهِ.
وَمِمَّا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً مِنْ جَلُولَاءَ يَوْمَ فُتِحَتْ مَدَائِنُ كِسْرَى فِي قِتَالِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَدَعَا بِهَا عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ ".
وَآثَارُ السَّلَفِ فِي الْإِيثَارِ وَبَذْلِ الْمَحْبُوبَاتِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَثِيرَةٌ " نَزَلَ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَيْفٌ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْئًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ - هُوَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ - فَذَهَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الطَّعَامَ وَأَمَرَ امْرَأَتَهُ بِإِطْفَاءِ السِّرَاجِ، فَقَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُهُ فَأَطْفَأَتْهُ، وَجَعَلَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى الطَّعَامِ كَأَنَّهُ يَأْكُلُ وَلَا يَأْكُلُ حَتَّى أَكَلَ الضَّيْفُ وَبَقِيَ هُوَ وَعِيَالُهُ مَجْهُودِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ عَجِبَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ صَنِيعِكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَى ضَيْفِكُمْ وَنَزَلَتْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [٥٩: ٩] رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَاشْتَهَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ سَمَكَةً، وَكَانَ قَدْ نَقِهَ مِنْ مَرَضٍ فَالْتُمِسَتْ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ تُوجَدْ حَتَّى وُجِدَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ وَاشْتُرِيَتْ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَشُوِيَتْ وَجِيءَ بِهَا عَلَى رَغِيفٍ فَقَامَ سَائِلٌ بِالْبَابِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْغُلَامِ لُفَّهَا بِرَغِيفِهَا وَادْفَعْهَا إِلَيْهِ فَأَبَى الْغُلَامُ فَرَدَّهُ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: كُلْ هَنِيئًا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَدْ أَعْطَيْتُهُ دِرْهَمًا وَأَخَذْتُهَا، فَقَالَ لُفَّهَا وَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ الدِّرْهَمَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: أَيُّمَا امْرِئٍ اشْتَهَى شَهْوَةً فَرَدَّ شَهْوَتَهُ وَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ غُفِرَ لَهُ أَوْ غَفَرَ اللهُ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: " أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَ شَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي فُلَانًا كَانَ أَحْوَجَ مِنِّي إِلَيْهِ فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ قَالَ: إِنَّ فُلَانًا أَحْوَجُ مِنِّي إِلَيْهِ فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهُ سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ وَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ " نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ فِي الْقُوتِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. وَيُشْبِهُ هَذَا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ
الْأَنْطَاكِيِّ الصُّوفِيِّ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ نَفْسًا وَنَيِّفٌ وَكَانُوا فِي قَرْيَةٍ بِقُرْبِ الرَّيِّ وَلَهُمْ أَرْغِفَةٌ مَعْدُودَةٌ لَا تُشْبِعُ جَمِيعَهُمْ، فَكَسَرُوا الرُّغْفَانَ وَأَطْفَئُوا السِّرَاجَ وَجَلَسُوا لِلطَّعَامِ وَأَوْهَمَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ، فَلَمَّا رُفِعَ إِذَا الطَّعَامُ بِحَالِهِ لَمْ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute