وَلَمَّا انْقَضَتِ الْحَرْبُ أَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى الْجَبَلِ فَنَادَى: أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَقَالَ: أَفِيكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَقَالَ: أَفِيكُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَلَمْ يُجِيبُوهُ. فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ. فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ ذَكَرْتَهُمْ أَحْيَاءٌ وَقَدْ أَبْقَى اللهُ لَكَ مَا يَسُوءُكَ. فَقَالَ: قَدْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةٌ لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ قَالَ: اعْلُ هُبَلُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَا تُجِيبُونَهُ؟ فَقَالُوا: فَمَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ. قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَهُ؟ قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ. فَأَجَابَهُ عُمَرُ: لَا سَوَاءَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ. وَانْصَرَفَ الْفَرِيقَانِ.
أَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَنْكَسِرُوا فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَلَمْ يَنْتَصِرُوا بَلْ نَالَ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ وَنَالُوا مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَبُرَتْ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ حُرِمُوا النَّصْرَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَهْزِمُوا الْمُشْرِكِينَ وَيَرُدُّوهُمْ مَدْحُورِينَ - وَسَيَأْتِي فِي الْآيَاتِ بَيَانُ الْأَسْبَابِ وَالْحَكَمُ فِيمَا كَانَ - وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " مَا نُصِرَ رَسُولُ اللهِ فِي مَوْطِنٍ نَصْرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ " فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ كِتَابُ اللهِ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [٣: ١٥٢] وَسَيَأْتِي.
وَالْتَمَسُوا الْقَتْلَى فَرَأَوْا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ مَثَّلُوا بِهِمْ، وَكَانَ التَّمْثِيلُ بِحَمْزَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - شَرَّ تَمْثِيلٍ، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ لِيُمَثِّلَنَّ بِهِمْ عِنْدَمَا يُظْفِرُهُ اللهُ بِهِمْ، فَنَهَاهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ التَّمْثِيلِ بِالْقَتْلَى فَلَمْ يَفْعَلْهُ الْمُسْلِمُونَ.
وَخَرَجَ نِسَاءٌ مِنَ الْمَدِينَةِ لِمُسَاعَدَةِ الْجَرْحَى، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - هِيَ الَّتِي دَاوَتْ جُرْحَ وَالِدِهَا - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ مَصَّ الدَّمَ مِنْهُ وَالِدُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَتَّى أَنْقَاهُ تَوَلَّتْهُ هِيَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ
رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَ دُووِيَ، كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَغْسِلُهُ وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ (التُّرْسِ) فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا فَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ.
وَلَمَّا انْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ رَاجِعِينَ ظَنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ; فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَلِيٍّ: اخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَاذَا يُرِيدُونَ؟ فَإِنْ هُمْ جَنَّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوُا الْإِبِلَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنَّ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ لَأُنَاجِزَنَّهُمْ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute