بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَمِنْ شَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا، اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ - إِلَهَ الْحَقِّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِنَّهُ عَلَى نَظَافَةِ إِسْنَادِهِ مُنْكَرٌ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا. وَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ الْمُنَافِقُونَ فِيمَنْ قُتِلَ: لَوْ كَانُوا أَطَاعُونَا وَلَمْ يَخْرُجُوا لَمَا قُتِلُوا.
إِذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَلْنَشْرَعْ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ، وَنَقُولُ أَوَّلًا: إِنَّ وَجْهَ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّهُ - تَعَالَى - نَهَاهُمْ فِي تِلْكَ عَنِ اتِّخَاذِ بِطَانَةٍ مِنَ الْأَعْدَاءِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْعَدَاوَةِ لَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ
بِبَعْضِهِمْ إِيَّاهُمْ وَإِنْ خَادَعَهُمْ أَفْرَادٌ مِنْهُمْ بِدَعْوَى الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ يَصْبِرُوا وَيَتَّقُوا مَا يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ لَا يَضُرُّهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، وَبَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ ذَكَّرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِوَقْعَةِ أُحُدٍ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ كَيْدِ الْمُنَافِقِينَ إِذْ قَالُوا مَا قَالُوا أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِذْ خَرَجُوا ثُمَّ انْشَقُّوا وَرَجَعُوا لِيَخْذُلُوا الْمُؤْمِنِينَ وَيُوقِعُوا الْفَشَلَ فِيهِمْ، وَمِنْ كَيْدِ الْمُشْرِكِينَ وَتَأَلُبِّهِمُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ دَافِعٍ إِلَّا الصَّبْرُ حَتَّى عَنِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي طَمِعَ فِيهَا الرُّمَاةُ فَتَرَكُوا مَوْقِعَهُمْ وَإِلَّا التَّقْوَى، وَمِنْهَا - بَلْ أَهَمُّهَا - طَاعَةُ الرَّسُولِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الرُّمَاةَ، وَذَكَّرَهُمْ أَيْضًا بِوَقْعَةِ بَدْرٍ إِذْ نَصَرَهُمْ عَلَى قِلَّتِهِمْ بِصَبْرِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ. قَالَ - تَعَالَى -: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ أَيْ وَاذْكُرْ بَعْدَ هَذَا يَا مُحَمَّدُ إِذْ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِ أَهْلِكَ غَدْوَةً، وَذَلِكَ سَحَرَ يَوْمِ السَّبْتِ سَابِعَ شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ لِلْهِجْرَةِ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ أَيْ تُوَطِّنُهُمْ وَتُنْزِلُهُمْ أَمَاكِنَ وَمَوَاضِعَ فِي الشِّعْبِ مِنْ أُحُدٍ لِأَجْلِ الْقِتَالِ فِيهَا، فَمِنْهَا مَوْضِعٌ لِلرُّمَاةِ وَمَوْضِعٌ لِلْفُرْسَانِ وَمَوْضِعٌ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْمَقَاعِدُ: جَمْعُ مَقْعَدٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَكَانُ الْقُعُودِ كَالْمَجْلِسِ لِمَكَانِ الْجُلُوسِ وَالْمَقَامِ لِمَكَانِ الْقِيَامِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا بِمَعْنَى الْمَكَانِ تَوَسُّعًا. وَقِيلَ: تَبْوِئَةُ الْمَقَاعِدِ تَسْوِيَتُهَا وَتَهْيِئَتُهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لَمْ يَخْفَ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا قِيلَ فِي مُشَاوَرَتِكَ لِمَنْ مَعَكَ فِي أَمْرِ الْخُرُوجِ إِلَى لِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي أُحُدٍ أَوِ انْتِظَارِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ، فَهُوَ قَدْ سَمِعَ أَقْوَالَ الْمُشِيرِينَ وَعَلِمَ نِيَّةَ كُلِّ قَائِلٍ، وَأَنَّ مِنْهُمُ الْمُخْلِصَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي رَأْيِهِ كَالْقَائِلِينَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ، وَمِنْهُمْ غَيْرُ الْمُخْلِصِ فِي قَوْلِهِ - وَإِنْ كَانَ صَوَابًا - كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفَانِ الْكَرِيمَانِ مُتَعَلِّقًا لِلظَّرْفِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ - كَمَا نُبَيِّنُهُ فِي تَفْسِيرِهَا.
وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلنَّبِيِّ، وَالْمُرَادَ بِهِ أَصْحَابُهُ، يَضْرِبُ لَهُمْ مَثَلًا أَوْ مَثَلَيْنِ عَلَى صِدْقِ وَعْدِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا بِتَذْكِيرِهِمْ بِمَا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ وُقُوعِ الْمُصِيبَةِ بِهِمْ عِنْدَ تَرْكِ الرُّمَاةِ الصَّبْرَ وَالتَّقْوَى، وَذَنْبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute