للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، وَكَانَ أَكْلُهُمْ ذَلِكَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ مَالٌ إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ طَلَبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ لَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ: أَخِّرْ عَنِّي دَيْنَكَ وَأَزِيدُكَ عَلَى مَالِكَ، فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَنَهَاهُمُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي إِسْلَامِهِمْ عَنْهُ " ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهَا عَنْ عَطَاءٍ: كَانَتْ ثَقِيفٌ تُدَايِنُ فِي بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ قَالُوا: نَزِيدُكُمْ وَتُؤَخِّرُونَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ: " رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ " وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبِي زَيْدٌ (الْعَالِمُ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ) يَقُولُ: " إِنَّمَا كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي التَّضْعِيفِ وَفِي السِّنِّ: يَكُونُ لِلرَّجُلِ فَضْلُ دَيْنٍ فَيَأْتِيهِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَيَقُولُ لَهُ: تَقْضِينِي أَوْ تَزِيدُنِي ; فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ يَقْضِيهِ قَضَى وَإِلَّا حَوَّلَهُ إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ ابْنَةَ مَخَاضٍ يَجْعَلُهَا ابْنَةَ لَبُونٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ حِقَّةً ثُمَّ جَذَعَةً ثُمَّ رُبَاعِيًّا ثُمَّ هَكَذَا إِلَى فَوْقٍ. وَفِي الْعَيْنِ (النُّقُودِ) يَأْتِيهِ فَإِنْ

لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَضْعَفَهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَضْعَفَهُ أَيْضًا فَتَكُونُ مِائَةً فَيَجْعَلُهَا إِلَى قَابِلٍ مِائَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَعَلَهَا أَرْبَعَمِائَةٍ يُضَعِّفُهَا لَهُ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَقْضِيهِ قَالَ: فَهَذَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً.

فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الَّذِي فَسَّرَ بِهِ زَيْدٌ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) الْآيَةَ هُوَ مِنَ الرِّبَا الْفَاحِشِ الْمَعْرُوفِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِالْمُرَكَّبِ، وَتَرَى أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَمَنْ رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ السَّلَفِ فِي تَصْوِيرِ الرِّبَا كُلِّهِ فِي اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ كَأَنْ يُعْطِيهِ الْمِائَةَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالْقَلِيلِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِ الْمَدِينُ - وَهُوَ فِي قَبْضَتِهِمْ - اضْطَرُّوهُ إِلَى قَبُولِ التَّضْعِيفِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْسَاءِ وَمَا قَالُوهُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَمِنْهُ عِبَارَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الشَّهِيرَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْبَقَرَةِ ص٩٥ ج ٣ [طَبْعَةِ الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ] وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الرِّبَا الَّذِي لَا يُشَكُّ فِيهِ قَالَ: " هُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ فَيَقُولُ لَهُ: أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي؟ فَإِنْ لَمْ يَقْضِ زَادَهُ فِي الْمَالِ وَزَادَهُ هَذَا فِي الْأَجَلِ " وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّرْعِ بِرِبَا النَّسِيئَةِ.

وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي الزَّوَاجِرِ: أَنَّ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الْإِنْسَاءُ فِيهِ بِالشُّهُورِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الرِّبَا: " وَرِبَا النَّسِيئَةِ هُوَ الَّذِي كَانَ مَشْهُورًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْفَعُ مَالَهُ لِغَيْرِهِ إِلَى أَجَلٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ بِحَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>