للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْبَيْهَقِيِّ. بَلْ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ الرِّبَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا [٣٠: ٣٩] بِالْهَدِيَّةِ وَالْعَطِيَّةِ الَّتِي يُتَوَقَّعُ بِهَا مَزِيدُ مُكَافَأَةٍ.

الْمُحَرَّمُ لِذَاتِهِ لَا يُبَاحُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمَا كُلُّ مُحَرَّمٍ تُلْجِئُ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ، وَالْمُحَرَّمُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ قَدْ يُبَاحُ لِلْحَاجَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ: " وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَأُبِيحَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَالْعَرَايَا فَإِنَّهُ مَا حُرِّمَ تَحْرِيمَ الْمَقَاصِدِ " ثُمَّ أَفَاضَ الْقَوْلَ فِي حِلِّ بَيْعِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَحَقَّقَ أَنَّ لِلصَّنْعَةِ قِيمَةً فِي نَفْسِهَا ثُمَّ قَالَ: " يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ إِنَّمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ - وَمَا حُرِّمَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ أُبِيحَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا أُبِيحَتِ الْعَرَايَا مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَكَمَا أُبِيحَتْ ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَمَا أُبِيحَ النَّظَرُ - أَيْ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ - لِلْخَاطِبِ وَالشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ وَالْعَامِلِ مِنْ جُمْلَةِ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ حُرِّمَ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ الْمَلْعُونِ فَاعِلُهُ وَأُبِيحَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاحَ بَيْعُ الْحِلْيَةِ الْمَصُوغَةِ صِيَاغَةً مُبَاحَةً بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، وَتَحْرِيمُ التَّفَاضُلِ إِنَّمَا كَانَ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ ; فَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَمُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ وَلَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ النَّاسِ إِلَّا بِهِ أَوْ بِالْحِيَلِ، وَالْحِيَلُ بَاطِلَةٌ فِي الشَّرْعِ " إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ، وَقَدْ أَوْرَدْنَاهُ بِرُمَّتِهِ فِي الْمَنَارِ (ص ٥٤٠ م ٩)

إِنَّمَا تَعَرَّضْتُ هُنَا لِرِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ لَيْسَ مِمَّا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لِلتَّفْرِقَةِ، وَلِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرِّبَا قَدْ قَامَتْ لَهَا الْبِلَادُ الْمِصْرِيَّةُ وَقَعَدَتْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَاقْتَرَحَ كَثِيرُونَ إِنْشَاءَ بَنْكٍ إِسْلَامِيٍّ وَأُلْقِيَتْ فِيهَا خُطَبٌ كَثِيرَةٌ فِي نَادِي دَارِ الْعُلُومِ بِالْقَاهِرَةِ خَالَفَ فِيهَا بَعْضُ الْخُطَبَاءِ بَعْضًا فَمَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى مَنْعِ كُلِّ مَا عَدَّهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ الرِّبَا، وَأَنْحَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِقَوْلِهِمْ، وَمَالَ آخَرُونَ إِلَى عَدَمِ مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ أَوِ الْمُضَاعَفِ، فَغَلَا بَعْضُهُمْ وَتَوَسَّطَ بَعْضٌ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِتَحْرِيرِ الْبَحْثِ وَإِقْنَاعِ النَّاسِ بِشَيْءٍ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الرَّأْيُ، وَفِي اللَّيْلَةِ الَّتِي خُتِمَ فِيهَا هَذَا الْبَحْثُ أَلْقَى كَاتِبُ هَذَا خِطَابًا وَجِيزًا فِي الْمَسْأَلَةِ قَالَ رَئِيسُ النَّادِي حِفْنِي بِكْ نَاصِفْ فِي خُطْبَتِهِ الْخِتَامِيَّةِ: إِنَّهُ فَصْلُ الْخِطَابِ وَرَغَّبَ إِلَيْنَا هُوَ (رَئِيسُ النَّادِي) وَغَيْرُهُ أَنْ نُدَوِّنَهُ، وَهَذَا هُوَ بِالْمَعْنَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>