للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ حَالٌ مُعْتَرِضَةٌ. أَيْ فَلَا تَضْعُفُوا وَلَا تَحْزَنُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّ مِنْ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ الصَّبْرَ وَالثَّبَاتَ وَالرَّغْبَةَ فِي إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - الظَّفَرِ أَوِ الشَّهَادَةِ - عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَوْعُودٌ بِالْحُسْنَيَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا يَطْلُبُ إِحْدَاهُمَا الْأَفْرَادُ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ الْحُزْنَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا فَاتَ الْإِنْسَانَ وَخَسِرَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ يَشْعُرُ أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ بِفَوْتِهِ شَيْءٌ مِنْ قُوَّتِهِ وَفَقَدَ بِفَقْدِهِ شَيْئًا مِنْ عَزِيمَتِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ، ذَلِكَ بِأَنَّ صِلَةَ الْإِنْسَانِ بِمَحْبُوبَاتِهِ مِنَ الْمَالِ وَالْمَتَاعِ وَالنَّاسِ كَالْأَصْدِقَاءِ وَذِي الْقُرْبَى تُكْسِبُهُ قُوَّةً وَتُعْطِيهِ غِبْطَةً وَسُرُورًا، فَإِذَا هُوَ فَقَدَ شَيْئًا مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ لِنَفْسِهِ أَلَمُ الْحُزْنِ الَّذِي يُشْبِهُ الظُّلْمَةَ وَيُسَمُّونَهُ كَدَرًا كَأَنَّ النَّفْسَ كَانَتْ صَافِيَةً رَائِقَةً فَجَاءَ ذَلِكَ الِانْفِعَالُ فَكَدَّرَهَا بِمَا أَزَالَ مِنْ صَفْوِهَا. وَقَدْ يُقَالُ هُنَا: لِمَاذَا نَهَاهُمْ عَنِ الْوَهَنِ

بِمَا عَرَضَ لَهُمْ وَالْحُزْنِ عَلَى مَا فَقَدُوا فِي " أُحُدٍ "، وَكُلٌّ مِنَ الْوَهَنِ وَالْحُزْنِ كَانَ قَدْ وَقَعَ وَهُوَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ فِي مِثْلِ الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْكَسْبُ مِنْ مُعَالَجَةِ وِجْدَانِ النَّفْسِ بِالْعَمَلِ وَلَوْ تَكَلُّفًا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: انْظُرُوا فِي سُنَنِ مَنْ قَبْلَكُمْ تَجِدُوا أَنَّهُ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى حَقٍّ وَأَحْكَمُوا أَمْرَهُمْ وَأَخَذُوا أُهْبَتَهُمْ وَأَعَدُّوا لِكُلِّ أَمْرٍ عُدَّتَهُ وَلَمْ يَظْلِمُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْعَمَلِ لِنُصْرَتِهِ إِلَّا وَظَفِرُوا بِمَا طَلَبُوا، وَعُوِّضُوا مِمَّا خَسِرُوا، فَحَوِّلُوا وُجُوهَكُمْ عَنْ جِهَةِ مَا خَسِرْتُمْ، وَوَلُّوهَا جِهَةَ مَا يَسْتَقْبِلُكُمْ، وَانْهَضُوا بِهِ بِالْعَزِيمَةِ وَالْحَزْمِ، مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَالْحُزْنُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى فَقْدِ مَا لَا عِوَضَ مِنْهُ وَأَنَّ لَكُمْ خَيْرَ عِوَضٍ مِمَّا فَقَدْتُمْ، وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ بِرُجْحَانِكُمْ عَلَيْهِمْ فِي مَجْمُوعِ الْوَقْعَتَيْنِ - بَدْرٍ وَأُحُدٍ - إِذِ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْكُمْ، عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِكُمْ، أَوْ جُمْلَةُ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ مُعْتَرِضَةٌ يُرَادُ بِهَا التَّبْشِيرُ بِمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ النَّصْرِ، وَهُمَا قَوْلَانِ لِلْمُفَسِّرِينَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ لِلتَّسْلِيَةِ أَوْ لِلْبِشَارَةِ فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا شَائِبَةَ فِيهِ فَإِنَّ مَنِ اخْتَرَقَ هَذَا الْإِيمَانُ فُؤَادَهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ سُوَيْدَائِهِ، يَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْعَاقِبَةِ، بَعْدَ الثِّقَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ السُّنَنِ الْعَامَّةِ وَالْأَسْبَابِ الْمُطَّرِدَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ لَيْسَ لِلشَّكِّ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ تَنْبِيهُ الْمُؤْمِنِ إِلَى حَالِهِ وَمُحَاسَبَةُ نَفْسِهِ عَلَى أَعْمَالِهِ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْخَمِيسِ الْمَاضِيَةَ (غُرَّةَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ١٣٢٠) فِي الرُّؤْيَا مُنْصَرِفًا مَعَ أَصْحَابِهِ مِنْ أُحُدٍ وَهُوَ يَقُولُ: " لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ لَاخْتَرْتُ الْهَزِيمَةَ " أَيْ لِمَا فِي الْهَزِيمَةِ مِنَ التَّأْدِيبِ الْإِلَهِيِّ لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِالِاحْتِيَاطِ وَلَا يَغْتَرُّوا بِشَيْءٍ بِشَغْلِهِمْ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ وَتَسْدِيدِ النَّظَرِ، وَأَخْذِ الْأُهْبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالسُّنَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>