أَوِ الْأَكْثَرِ، وَإِذَا أَطْلَقْتَ الْحُكْمَ أَوْ عَمَّمْتَهُ أَتْبَعْتَهُ بِاسْتِثْنَاءِ الْأَقَلِّ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ إِذَا أُمْلِيَ لَهُ يَظْهَرُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ عَمَلِهِ بِكُفْرِهِ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فَيَتُوبُ، وَيُؤْمِنُ، وَيَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ. فَالْقَاعِدَةُ الَّتِي ذَكَرْتُ فِي ازْدِيَادِ الِاعْتِقَادِ وَالْخَلْقِ قُوَّةً، وَرُسُوخًا بِالْعَمَلِ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ، وَإِطْلَاقُ الْآيَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي جَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَإِنَّنَا نَحُلُّ الْإِشْكَالَيْنِ كَأَيِّهِمَا بِالْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ حَلًّا لَا مِرْيَةَ فِيهِ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا. (الْأُولَى) إِنَّ الْكَلَامَ فِي الَّذِينَ ثَبَتَ كُفْرُهُمْ فِي عِلْمِ اللهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنْهُ ; لِأَنَّ تَرْبِيَتَهُمْ وَسِيرَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا مُذْ كَانُوا رَانَتْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَحَاطَتْ بِهِمْ خَطِيئَاتُهُمُ النَّاشِئَةُ عَنْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْهِدَايَةِ طَرِيقٌ إِلَى نُفُوسِهِمْ. (الثَّانِيَةُ) أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنَ ازْدِيَادِهِمْ إِثْمًا بِالْإِمْلَاءِ لَهُمْ هُوَ شَأْنُهُمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ كَافِرُونَ، فَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَزْدَادُونَ عَلَى تَمَادِي الزَّمَانِ إِلَّا إِثْمًا بِعَدَاوَةِ النَّبِيِّ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ، وَآمَنَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْإِمْلَاءِ لَهُ أَنَّهُ مِنَ الْإِمْلَاءِ لِلَّذِينِ كَفَرُوا. (الثَّالِثَةُ) أَنَّ فِي كُلِّ أُمَّةٍ - مَهْمَا كَانَ دِينُهَا - أُنَاسًا تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ سَلَامَةُ الْفِطْرَةِ، وَحُبُّ الْفَضِيلَةِ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ غَلَبَ الشَّرُّ، وَالْفَسَادُ عَلَى مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ إِذَا دُعُوا إِلَى الْحَقِّ دَعْوَةً صَحِيحَةً لَا يُسَارِعُونَ فِي مُجَاحَدَتِهِ، وَمُعَادَاةِ الدَّاعِي، وَإِيذَائِهِ، بَلْ هُمُ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ عِنْدَمَا يَظْهَرُ لَهُ صِدْقُ دَعْوَتِهِ، وَقَدْ يَتَثَبَّتُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكُفْرُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ جُحُودُ الْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِ حُجَّتِهِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى [٤: ١١٥] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [٤٧: ٣٢] فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُرَادُ بِالَّذِينِ كَفَرُوا فِي الْآيَةِ. (الرَّابِعَةُ) أَنَّ مَنْ يَسْتَثْنِيهِمُ الْقُرْآنُ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى الْأُمَمِ الَّتِي يَصِفُهَا بِالْكُفْرِ لَا يَسْتَثْنِيهِمْ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ وَالشَّرِّ فَقَطْ، بَلْ يَسْتَثْنِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ نَفْسِهِ أَيْضًا فَكَمَا قَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [٧: ١٥٩] وَقَالَ: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ
إِلَيْكَ [٣: ٧٥] وَقَالَ: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ [٥: ٦٦]- قَالَ فِيهِمْ أَيْضًا: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [٤: ١٥٥] (الْخَامِسَةُ) قَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أُولَئِكَ الْكَافِرِينَ الْمُحَارِبِينَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ مُؤْمِنِينَ بِالْقُوَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَكَانَ إِيمَانُهُمْ يَظْهَرُ حِينًا بَعْدَ حِينٍ عِنْدَمَا تَتِمُّ أَسْبَابُهُ، كَمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ فِي الظَّاهِرِ كَافِرِينَ فِي الْبَاطِنِ، وَكَانَتْ نَوَاجِمُ الْكُفْرِ تَبْدُو مِنْهُمْ آنًا بَعْدَ آنٍ - كَمَا ظَهَرَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ - وَمَا الْعَهْدُ بِتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا بِبَعِيدٍ، وَكَمَا ظَهَرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَفِي غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّتِي فَضَحَهُمُ اللهُ - تَعَالَى - فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute