للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيْرُهُمْ، وَنَازَعَ السُّيُوطِيُّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ فِي وَضْعِهِ فَقَالَ: إِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ، فَيُحْكَمُ لَهُ عَلَى مُقْتَضَى صِنَاعَةِ الْحَدِيثِ بِالْحُسْنِ.

وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنْ أُنَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَقُولُونَ نَأْتِي الْأُمَرَاءَ فَنُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَنَعْتَزِلُهُمْ بِدِينِنَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنَ الْقَتَادِ إِلَّا الشَّوْكُ، كَذَلِكَ لَا يُجْتَنَى مَنْ قُرْبِهِمْ إِلَّا الْخَطَايَا قَالَ السُّيُوطِيُّ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَكَذَا ابْنُ عَسَاكِرَ. وَمِنْ حَدِيثِهِ عِنْدَ الدَّيْلَمِيِّ: " سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عُلَمَاءُ يُرَغِّبُونَ النَّاسَ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يَرْغَبُونَ، وَيُزَهِّدُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَزْهَدُونَ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ غِشْيَانِ الْأُمَرَاءِ وَلَا يَنْتَهُونَ ".

وَمِنْهُ أَيْضًا عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ: " مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنَ ".

وَمِنْهَا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: " مَا مِنْ عَالَمٍ أَتَى صَاحِبَ سُلْطَانٍ طَوْعًا إِلَّا كَانَ شَرِيكَهُ فِي كُلِّ لَوْنٍ يُعَذَّبُ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ، وَالْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا: " إِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ وَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، ثُمَّ أَتَى بَابَ السُّلْطَانِ تَمَلُّقًا إِلَيْهِ، وَطَمَعًا لِمَا فِي يَدِهِ خَاضَ بِقَدْرِ خُطَاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " وَأَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظٍ آخَرَ.

وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى، أَوْرَدَهَا الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابٍ خَاصٍّ سَمَّاهُ (الْأَسَاطِينُ فِي عَدَمِ الْمَجِيءِ إِلَى السَّلَاطِينِ) وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ لِظُهُورِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي زَمَنِهِمْ، وَتَهَافُتِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمْ، مِنْهَا قَوْلُ حُذَيْفَةَ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ: " إِيَّاكُمْ وَمَوَاقِفَ الْفِتَنِ. قِيلَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَبْوَابُ الْأُمَرَاءِ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ بِالْكَذِبِ، وَيَقُولُ مَا لَيْسَ فِيهِ: " وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ لِسَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ: " لَا تَغْشَ أَبْوَابَ السَّلَاطِينِ فَإِنَّكَ لَا تُصِيبُ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابُوا مِنْ دِينِكَ أَفْضَلَ مِنْهُ "، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ: " مَا مِنْ شَيْءٍ أَبْغَضَ إِلَى اللهِ مِنْ عَالَمٍ يَزُورُ

عَامِلًا، أَيْ مِنْ عُمَّالِ الْحُكُومَةِ " وَقَالَ سَمْنُونُ الْعَابِدُ الشَّهِيرُ: " مَا أَسْمَجَ بِالْعَالَمِ أَنْ يُؤْتَى إِلَى مَجْلِسِهِ فَلَا يُوجَدُ، فَيُسْأَلُ عَنْهُ، فَيُقَالُ عِنْدَ الْأَمِيرِ، وَكُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ يُقَالُ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ يُحِبُّ الدُّنْيَا فَاتَّهِمُوهُ عَلَى دِينِكُمْ حَتَّى جَرَّبْتُ ذَلِكَ، مَا دَخَلْتُ قَطُّ عَلَى هَذَا السُّلْطَانِ إِلَّا وَحَاسَبْتُ نَفْسِي بَعْدَ الْخُرُوجِ، فَأَرَى عَلَيْهَا الدَّرْكَ مَعَ مَا أُوَاجِهُهُمْ بِهِ مِنَ الْغِلْظَةِ وَالْمُخَالَفَةِ لِهَوَاهُمْ " اهـ، وَقَدْ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَكُنْتُ أَسْمَعُ إلخ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الْعَالِمَ يُخَالِطُ السُّلْطَانَ مُخَالَطَةً كَثِيرَةً فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ. أَوْ إِلَى قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لِيُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ: إِذَا رَأَيْتَ الْقَارِئَ يَلُوذُ بِالسُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ. وَإِذَا رَأَيْتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>