لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَأَمَّا كَلِمَةُ: إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَهِيَ ثَنَاءٌ خَتَمَ بِهِ الدُّعَاءَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَعْدَ يُصِيبُهُمْ إِذَا قَامُوا بِمَا تَرَتَّبَ هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ الْوَعْدَ كَمَا قَالَ الرَّازِيُّ: " لَا يَتَنَاوَلُ آحَادَ الْأُمَّةِ بِأَعْيَانِهِمْ بَلْ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُهُمْ بِحَسَبِ أَوْصَافِهِمْ "، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي الْوَعْدِ بِسِيَادَةِ الدُّنْيَا: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لِيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [٢٤: ٥٥] الْآيَةَ، وَقَالَ فِيهِ: إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ [٤٧: ٧] وَقَالَ فِي الْوَعْدِ بِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ [٩: ٧٢] الْآيَةَ، وَقَدْ ذُكِرَتْ كُلُّهَا آنِفًا. وَفِي مَعْنَاهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَكُلٌّ مِنَ الْوَعْدَيْنِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْإِيمَانِ، وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ، وَلَكِنَّ الْمُحَرِّفِينَ لِدِينِ اللهِ يَجْعَلُونَ كُلَّ جَزَاءٍ حَسَنٍ لِلْأَفْرَادِ بِحَسَبِ ذَوَاتِهِمْ، أَوْ ذَوَاتِ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ وَيَتَوَسَّلُونَ بِهِمْ.
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عَطَفَ اسْتِجَابَتَهُ لَهُمْ بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ هُوَ الَّذِي أَهَّلَهُمْ لِقَبُولِ دُعَائِهِمْ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ: اسْتَجَابَ دُعَاءَهُمْ لِصِدْقِهِمْ فِي الْإِيمَانِ، وَالذِّكْرِ، وَالْفِكْرِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَالتَّنْزِيهِ، وَالْوُصُولِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ، وَصِدْقِ الرُّسُلِ، وَإِيمَانِهِمْ بِهِمْ، وَشُعُورِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنَّهُمْ ضُعَفَاءُ مُقَصِّرُونَ فِي الشُّكْرِ لِلَّهِ، مُحْتَاجُونَ مَغْفِرَتَهُ لَهُمْ، وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانَهُ بِهِمْ بِإِيتَائِهِمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الِاسْتِجَابَةَ لَمْ تَكُنْ بِعَيْنِ مَا طَلَبُوا كَمَا طَلَبُوا ; وَلِذَلِكَ صَوَّرَهَا وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا، وَهَذَا التَّصْوِيرُ لِحِكْمَةٍ عَالِيَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ لَيْسَتْ إِلَّا تَوْفِيَةَ كُلِّ عَامِلٍ جَزَاءَ عَمَلِهِ لِيُنَبِّهَهُمْ بِذِكْرِ الْعَمَلِ، وَالْعَامِلِ إِلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ، وَالْفَوْزِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ إِنَّمَا هِيَ بِإِحْسَانِ الْعَمَلِ، وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ تَغُشُّهُ نَفْسُهُ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ مُحْسِنٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُحْسِنٍ، وَأَنَّهُ مُخْلِصٌ، وَمَا هُوَ بِمُخْلِصٍ، وَأَنَّ حَوْلَهُ وَقُوَّتَهُ قَدْ فَنِيَا فِي حَوْلِ اللهِ وَقُوَّتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ إِلَّا وَجْهَهُ - تَعَالَى - فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ، وَيَكُونُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ مَغْرُورًا مُرَائِيًا. وَذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مُتَسَاوِيَانِ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - فِي الْجَزَاءِ مَتَى تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ حَتَّى لَا يَغْتَرَّ الرَّجُلُ بِقُوَّتِهِ، وَرِيَاسَتِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَيَظُنَّ أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى اللهِ مِنْهَا، وَلَا تُسِيءَ
الْمَرْأَةُ الظَّنَّ بِنَفْسِهَا فَتَتَوَهَّمَ أَنَّ جَعْلَ الرَّجُلِ رَئِيسًا عَلَيْهَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَرْفَعَ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - مِنْهَا. وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ - تَعَالَى - عِلَّةَ هَذِهِ الْمُسَاوَاةِ بِقَوْلِهِ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالرَّجُلُ مَوْلُودٌ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ مَوْلُودَةٌ مِنَ الرَّجُلِ، فَلَا فَرْقَ فِي الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْأَعْمَالِ، أَيْ وَمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَعْمَالُ، وَيَتَرَتَّبُ هُوَ عَلَيْهَا مِنَ الْعُلُومِ وَالْأَخْلَاقِ.
أَقُولُ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِنْوٌ وَزَوْجٌ وَشَقِيقٌ لِلْآخَرِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ حَدِيثُ النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ قَالُوا: أَيْ مِثْلُهُمْ فِي الطِّبَاعِ، وَالْأَخْلَاقِ كَأَنَّهُنَّ مُشْتَقَّاتٌ مِنْهُمْ، أَوْ لِأَنَّهُنَّ مَعَهُمْ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ سَلْمَانُ مِنَّا وَحَدِيثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute