للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي تَبَدُّلِ الْخَبِيثِ بِالطَّيِّبِ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ مَا اخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِيمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَخْذِ الْجَيِّدِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَوَضْعِ الرَّدِيءِ بَدَلَهُ، وَأَخْذِ السَّمِينِ مِنْهُ، وَإِعْطَائِهِ الْهَزِيلَ، وَنَسَبَهُ الرَّازِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ، قَالَ: وَطَعَنَ فِيهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ تَبْدِيلٌ لَا تَبَدُّلٌ.

وَعَبَّرَ عَنْ أَخْذِ الْمَالِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّصَرُّفُ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ شَائِعٌ مَعْرُوفٌ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [٢: ١٨٨] وَهُوَ يَعُمُّ كُلَّ مَا يَأْخُذُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا أَيْ إِنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ تَبَدُّلَ الْخَبِيثِ بِالطَّيِّبِ مِنْهُ،

أَوْ مَا ذُكِرَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ - وَكَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ - كَانَ فِي حُكْمِ اللهِ حُوبًا كَبِيرًا أَيْ إِثْمًا عَظِيمًا.

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا هَذَا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ السُّورَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالنِّسَاءِ بِمُنَاسَبَةِ الْيَتَامَى، وَقِيلَ: بِالْيَتَامَى بِأَنْفُسِهِمْ أَصَالَةً، وَأَمْوَالِهِمْ تَبَعًا، وَمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْوَالِ خَاصَّةً. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ النَّسَائِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ، وَالتَّفْسِيرِ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ خَالَتَهُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَتْ: " يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلَيِّهَا يُشْرِكُهَا فِي مَالِهِ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا، وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ ". قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ ; فَأَنْزَلَ اللهُ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [٤: ١٢٧] قَالَتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الْآيَةُ الْأُولَى الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ ".

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ عَنْهَا، قَالَتْ: " أُنْزِلَتْ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَلِيُّهَا، وَوَارِثُهَا، وَلَهَا مَالٌ، وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا فَلَا يَنْكِحُهَا لِمَالِهَا فَيَضْرِبُهَا، وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا، فَقَالَ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ يَقُولُ: خُذْ مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ وَدَعْ هَذِهِ الَّتِي تَضْرِبُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ أُخْرَى عَنْهَا فِيمَا يُحَالُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>