إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُبْغِضُ الرَّجُلَ، وَيُؤْلِمُهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهَا، وَيَمْتَهِنَهَا، وَإِنَّهُنَّ لَيَأْلَمْنَ أَنْ يَرَيْنَ رَجُلًا - وَلَوْ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ رَاهِبًا مُتَبَتِّلًا - لَا يَمِيلُ إِلَى النِّسَاءِ، وَلَا يَخْضَعُ لِسِحْرِهِنَّ، وَيَسْتَجِيبُ لِرُقْيَتِهِنَّ. وَنَتِيجَةُ هَذَا أَنَّ دَاعِيَةَ النَّسْلِ فِي الرَّجُلِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْمَرْأَةِ، فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ أُولَى.
ثُمَّ إِنَّ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ فِي مَيْلِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى إِلَى الْآخَرِ الْمَيْلَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الزَّوَاجِ هِيَ التَّنَاسُلُ الَّذِي يُحْفَظُ بِهِ النَّوْعُ، كَمَا أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي شَهْوَةِ التَّغَذِّي هِيَ حِفْظُ الشَّخْصِ. وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مُسْتَعِدَّةً لِلنَّسْلِ نِصْفَ الْعُمُرِ الطَّبِيعِيِّ لِلْإِنْسَانِ وَهُوَ مِائَةُ سَنَةٍ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قُوَّةَ الْمَرْأَةِ تَضْعُفُ عَنِ الْحَمْلِ بَعْدَ الْخَمْسِينَ فِي الْغَالِبِ، فَيَنْقَطِعُ دَمُ حَيْضِهَا وَبُوَيْضَاتُ التَّنَاسُلِ مِنْ رَحِمِهَا، وَالْحِكْمَةُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَالْأَطِبَّاءُ أَعْلَمُ بِتَفْصِيلِهَا، فَإِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ التَّزَوُّجُ بِأَكْثَرَ مِنَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ نِصْفُ عُمُرِ الرِّجَالِ الطَّبِيعِيِّ فِي الْأُمَّةِ مُعَطَّلًا مِنَ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الزَّوَاجِ، إِذَا فُرِضَ أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتَرِنُ بِمَنْ تُسَاوِيهِ فِي السِّنِّ، وَقَدْ يَضِيعُ عَلَى بَعْضِ الرِّجَالِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً إِذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ هِيَ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَعَاشَ الْعُمُرَ الطَّبِيعِيَّ كَمَا يَضِيعُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ إِذَا تَزَوَّجَ بِمَنْ هِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَضِيعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ، وَهُوَ فِي سِنِّ الْخَمْسِينَ بِمَنْ هِيَ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ يَضِيعُ عَلَيْهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَمَا عَسَاهُ يَطْرَأُ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ مَرَضٍ،
أَوْ هَرَمٍ عَاجِلٍ، أَوْ مَوْتٍ قَبْلَ بُلُوغِ السِّنِّ الطَّبِيعِيِّ يَطْرَأُ مِثْلُهُ عَلَى النِّسَاءِ قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ، وَقَدْ لَاحَظَ هَذَا الْفَرْقَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ فَقَالَ: لَوْ تَرَكْنَا رَجُلًا وَاحِدًا مَعَ مِائَةِ امْرَأَةٍ سَنَةً وَاحِدَةً لَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْ نَسْلِهِ فِي السَّنَةِ مِائَةُ إِنْسَانٍ، وَأَمَّا إِذَا تَرَكْنَا مِائَةَ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ سَنَةً كَامِلَةً فَأَكْثَرَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْ نَسْلِهِمْ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَا تُنْتِجُ أَحَدًا ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ يُفْسِدُ حَرْثَ الْآخَرِ. وَمَنْ لَاحَظَ عِظَمَ شَأْنِ كَثْرَةِ النَّسْلِ فِي سُنَّةِ الطَّبِيعَةِ، وَفِي حَالِ الْأُمَمِ يَظْهَرُ لَهُ عِظَمُ شَأْنِ هَذَا الْفَرْقِ - فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ ثَانِيَةٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَوَالِيدَ مِنَ الْإِنَاثِ أَكْثَرُ مِنَ الذُّكُورِ فِي أَكْثَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ تَرَى الرِّجَالَ عَلَى كَوْنِهِمْ أَقَلَّ مِنَ النِّسَاءِ يَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ، وَالِاشْتِغَالِ عَنِ التَّزَوُّجِ أَكْثَرُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنِّسَاءِ، وَمُعْظَمُ ذَلِكَ فِي الْجُنْدِيَّةِ وَالْحُرُوبِ، وَفِي الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الزَّوَاجِ، وَنَفَقَاتِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُطْلَبُ مِنْهُمْ فِي أَصْلِ نِظَامِ الْفِطْرَةِ، وَفِيمَا جَرَتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ الشُّعُوبِ، وَالْأُمَمِ إِلَّا مَا شَذَّ، فَإِذَا لَمْ يُبَحْ لِلرَّجُلِ الْمُسْتَعِدِّ لِلزَّوَاجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اضْطَرَّتِ الْحَالُ إِلَى تَعْطِيلِ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ، وَمَنْعِهِنَّ مِنَ النَّسْلِ الَّذِي تَطْلُبُهُ الطَّبِيعَةُ وَالْأُمَّةُ مِنْهُنَّ وَإِلَى إِلْزَامِهِنَّ مُجَاهَدَةَ دَاعِيَةَ النَّسْلِ فِي طَبِيعَتِهِنَّ، وَذَلِكَ يُحْدِثُ أَمْرَاضًا بَدَنِيَّةً، وَعَقْلِيَّةً كَثِيرَةً يُمْسِي بِهَا أُولَئِكَ الْمِسْكِينَاتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute