للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ. فَمَنْعُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ هُوَ فَرْعُ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فَهُوَ لَا يُنَافِي الْقُرْآنَ، وَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّخْصِيصِ لِعُمُومِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا ; إِذْ يُقَالُ: إِنَّ لَهُ حَقَّهُ مِنَ الْإِرْثِ بِنَصِّ الْآيَةِ، ثُمَّ إِنَّ الشَّرِيعَةَ عَاقَبَتْهُ عَلَى قَتْلِهِ لِوَالِدِهِ بِحِرْمَانِهِ مِنْ حَقِّهِ فِي تَرِكَتِهِ لِيَرْتَدِعَ أَمْثَالُهُ، وَتُسَدَّ ذَرِيعَةُ الْفَسَادِ عَلَى الْأَشْرَارِ الطَّامِعِينَ الَّذِينَ يَسْتَعْجِلُونَ التَّمَتُّعَ بِمَا فِي أَيْدِي وَالِدَيْهِمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَمَنِ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ.

وَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّقِيقُ أَيْضًا، وَالرِّقُّ مَانِعٌ مِنَ الْإِرْثِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ، بَلْ كُلُّ مَا يَصِلُ إِلَى يَدِهِ مِنَ الْمَالِ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ، وَمَالِكِهِ، فَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ مِنَ التَّرِكَةِ شَيْئًا لَكُنَّا مُعْطِينَ ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ فَيَكُونُ السَّيِّدُ هُوَ الْوَارِثُ بِالْفِعْلِ، وَلَمَّا كَانَ الرِّقُّ عَارِضًا، وَخِلَافَ الْأَصْلِ، وَمَرْغُوبًا عَنْهُ فِي الشَّرْعِ جُعِلَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يُنَافِي عُمُومَ الْآيَةِ، وَإِطْلَاقَهَا، وَلَا تُعَدُّ مُنَافَاتُهُ لِلْإِرْثِ خُرُوجًا مِنْ حُكْمِهَا.

وَأَمَّا الْمِيرَاثُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ الْوَارِدِ عَلَى لِسَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمَأْمُورِ هُوَ بِتَبْلِيغِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ، وَإِنَّهُ اسْتُثْنِيَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِحَدِيثِ: نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ الشِّيعَةِ، وَقَدْ فَصَّلَ الْقَوْلَ فِيهِ السَّيِّدُ الْأَلُوسِيُّ فِي رُوحِ الْمَعَانِي فَرَأَيْنَا أَنْ نَنْقُلَ كَلَامَهُ فِيهِ بِنَصِّهِ قَالَ:

" وَاسْتُثْنِيَ مِنَ الْعُمُومِ الْمِيرَاثُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى لِسَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُتَنَاوِلَةِ لَهُ لُغَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ وَأَخَذَ الشِّيعَةُ بِالْعُمُومِ، وَعَدَمِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَطَعَنُوا بِذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَيْثُ لَمْ يُورِثِ الزَّهْرَاءَ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَالَتْ لَهُ بِزَعْمِهِمْ: يَا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، أَنْتَ تَرِثُ أَبَاكَ، وَأَنَا لَا أَرِثُ أَبِي، أَيُّ إِنْصَافٍ هَذَا! ؟ وَقَالُوا: إِنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَبِتَسْلِيمِ أَنَّهُ رَوَاهُ غَيْرُهُ أَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ بَلْ آحَادٌ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْآحَادِ بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَدَّ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةً لَمَّا كَانَ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَسْكِنُوهُنَّ [٦٥: ٦] فَقَالَ: " كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ امْرَأَةٍ؟ " فَلَوْ جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْآحَادِ لَخَصَّصَ بِهِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ كَوْنَهُ خَبَرَ امْرَأَةٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْكِتَابِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِهِ، وَأَيْضًا الْعَامُّ وَهُوَ الْكِتَابُ قَطْعِيٌّ، وَالْخَاصُّ وَهُوَ خَبَرُ الْآحَادِ ظَنِّيٌّ، فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ، وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْخَبَرِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ [٢٧: ١٦] وَقَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ - حِكَايَةً عَنْ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>