سُبْحَانَهُ -: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [٣٣: ٣٣] فَأَضَافَ الْبُيُوتَ إِلَيْهِنَّ وَلَمْ يَقُلْ: فِي بُيُوتِ الرَّسُولِ.
" وَمِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ أَجَابَ عَنْ أَصْلِ الْبَحْثِ بِأَنَّ الْمَالَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ لِخَلِيفَةِ الْوَقْتِ أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ كَمَا خَصَّ الصِّدِّيقُ جَنَابَ الْأَمِيرِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) بِسَيْفٍ، وَدِرْعٍ، وَبَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تُسَمَّى الدُّلْدُلَ مَعَ أَنَّ الْأَمِيرَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) لَمْ يَرِثِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَجْهٍ، وَقَدْ صَحَّ أَيْضًا أَنَّ الصِّدِّيقَ أَعْطَى الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَمُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ بَعْضًا مِنْ مَتْرُوكَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فَاطِمَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) فَدَكَ مَعَ أَنَّهَا طَلَبَتْهَا إِرْثًا، وَانْحَرَفَ مِزَاجُ رِضَاهَا (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) بِالْمَنْعِ إِجْمَاعًا، وَعَدَلَتْ عَنْ ذَلِكَ إِلَى دَعْوَى الْهِبَةِ، وَأَتَتْ بَعَلِيٍّ، وَالْحَسَنَيْنِ، وَأُمِّ أَيْمَنَ لِلشَّهَادَةِ فَلَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ بِزَعْمِ الشِّيعَةِ، وَلَمْ تُمَكَّنْ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ رَآهُمَا الْخَلِيفَةُ إِذْ ذَاكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَسْلَمِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ الْعَبْقَرِيَّةِ، وَالصَّوْلَةِ الْحَيْدَرِيَّةِ، وَأَطَالَ فِيهِ.
" وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) خَصَّ آيَةَ الْمَوَارِيثِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَبَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِلَا شُبْهَةٍ، وَالْعَمَلُ بِسَمَاعِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ سَمِعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ.
" وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْأُصُولِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ عَلَى أَنَّ تَقْسِيمَ الْخَبَرِ إِلَى الْمُتَوَاتِرِ وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَمْ يُشَاهِدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعُوا خَبَرَهُ بِوَاسِطَةِ
الرُّوَاةِ لَا فِي حَقِّ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَمِعَ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ، فَخَبَرُ " نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ " عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْمُتَوَاتِرِ بَلْ أَعْلَى كَعْبًا مِنْهُ، وَالْقَطْعِيُّ يُخَصِّصُ الْقَطْعِيَّ اتِّفَاقًا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ، وَالْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا نِسْبَةُ الْوِرَاثَةِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - لِمَا عَلِمْتَ.
" وَدَعْوَى الزَّهْرَاءِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) فَدَكًا بِحَسَبِ الْوِرَاثَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْخَبَرِ بَلْ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِقَدْرِهَا، وَرِفْعَةِ شَأْنِهَا، وَمَزِيدِ عِلْمِهَا، وَكَذَا أَخْذُ الْأَزْوَاجِ الْمُطَهَّرَاتِ حُجُرَاتِهِنَّ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِمَا مَرَّ وَجَلَا، وَعُدُولُهَا إِلَى دَعْوَى الْهِبَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ عِنْدَنَا، بَلِ الْمُتَحَقِّقُ دَعْوَى الْإِرْثِ. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهَا دَعْوَى الْهِبَةِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا أَتَتْ بِأُولَئِكَ الْأَطْهَارِ شُهُودًا ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ تَكُنْ فَدَكُ فِي قَبْضَةِ الزَّهْرَاءِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا) فِي وَقْتٍ، فَلَمْ تَكُنِ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِطَلَبِ الشُّهُودِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ أُولَئِكَ الْأَطْهَارَ شَهِدُوا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّدِّيقَ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ بَلْ لَمْ يَقْضِ بِهَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ عَدَمِ الْقَضَاءِ هُنَا وَالرَّدِّ ; فَإِنَّ الثَّانِيَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ لِتُهْمَةِ كَذِبٍ مَثَلًا، وَالْأَوَّلُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْإِمْضَاءِ لِفَقْدِ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ بَعْدَ الْعَدَالَةِ، وَانْحِرَافُ مِزَاجِ رِضَا الزَّهْرَاءِ كَانَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَشَرِيَّةِ. وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute