عَلَى الْكَسْبِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى كِبَرِهِمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى نَفَقَةِ الزَّوَاجِ، وَتَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ، فَلِهَذَا، وَذَاكَ كَانَ حَظُّهُمْ مِنَ الْإِرْثِ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّ الْوَالِدَيْنِ.
فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ أَيِ الْمَيِّتِ مَعَ إِرْثِ أَبَوَيْهِ لَهُ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْوَةُ ذُكُورًا، أَوْ إِنَاثًا مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، كُلُّ جَمْعٍ مِنْهُمْ يَحْجُبُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَلَا يَحْجُبُهَا الْوَاحِدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَخَوَيْنِ أَوِ الْأُخْتَيْنِ، فَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمَا كَالْجَمْعِ فِي حَجْبِ الْأُمِّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَخَالَفَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ: بِمَ صَارَ الْأَخَوَانِ يَرُدَّانِ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَإِنَّمَا قَالَ اللهُ - تَعَالَى -: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ وَالْأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِكَ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ قَضَاءً قَضَى بِهِ مَنْ قَبْلِي، وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ. فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الِاثْنَيْنِ لَا يُعَدَّانِ جَمْعًا، وَإِجَازَةُ عُثْمَانَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ أَقَلَّهُ اثْنَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [٦٦: ٤] وَلَيْسَ لِلْمُخَاطَبَتَيْنِ بِهَذَا إِلَّا قَلْبَانِ. وَهُوَ احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ، فَالْعَرَبُ إِنَّمَا تَجْمَعُ الْمُثَنَّى إِذَا أَضَافَتْهُ إِلَى ضَمِيرِهِ كَرَاهَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ. وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ " هَذَانِ جَمَاعَةٌ "، وَمَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَعْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ اللُّغَوِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَقَلِّ مَا تَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَوَصَفَ النِّسَاءَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى اثْنَتَيْنِ يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ، وَهُوَ - كَمَا تَرَى - لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا قَالَ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ. جَرَى عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ، فَقَالُوا: إِنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ وَحَقِيقَتَهُ فِي الثَّلَاثَةِ فَمَا فَوْقَ، فَإِنِ اسْتُعْمِلَتْ فِي الِاثْنَيْنِ كَانَتْ مَجَازًا.
إِذًا مَا هُوَ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ عَلَى حَجْبِ الْأُمِّ بِالْأَخَوَيْنِ، وَبِالْأُخْتَيْنِ، وَهُوَ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) ، وَلَيْسَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَعْلَمَ مِنْهُمْ، وَلَا أَدَقَّ فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ؟ الظَّاهِرُ لَنَا أَنَّ اللُّغَةَ إِذَا لَمْ تَدُلَّ فِي أَصْلِهَا عَلَى دُخُولِ الِاثْنَيْنِ فِي إِطْلَاقِ صِيغَةِ الْجَمْعِ، وَلَوْ عَلَى قِلَّةٍ، بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنَ الشَّوَاهِدِ. فَلَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَعَلَ لِلِاثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمْعِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَالْإِرْثِ، إِذْ جَعَلَ لِلْأُخْتَيْنِ، وَالْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ كَالْجَمْعِ مِنَ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ ذَكَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَإِذَا جَازَ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْبِنْتَيْنِ الْمَسْكُوتَ عَنْهُمَا كَالْأُخْتَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا، وَالْأَخَوَاتِ الْمَسْكُوتَ عَنْهُنَّ كَالْبَنَاتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِنَّ ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى - بَيَّنَ فِي أَحْكَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا حَذَفَ نَظِيرَهُ مِنْ مُقَابِلِهِ، وَحَذَفَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا بَيَّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute