مِنْ ١٢ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، وَهُوَ اثْنَانِ، فَيَكُونُ عَلَى عَكْسِ الْقَاعِدَةِ، إِذْ يَكُونُ لِلْأُنْثَى مِثْلُ حَظِّ الذَّكَرَيْنِ. فَرَأْيُ الْجُمْهُورِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقُرْآنِ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَقَرَّرَتْ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، وَفِي الْوَالِدَيْنِ مَعَ الْإِخْوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي الزَّوْجَيْنِ كَمَا فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَافَقَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ فَقَطْ.
وَمِنَ الِاعْتِبَارِ فِي هَذَا: أَنَّ حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ مُقَدَّمَةٌ فِي الْإِرْثِ عَلَى حُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ الْوَالِدَيْنِ إِنَّمَا يَتَقَاسَمَانِ مَا يَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ الزَّوْجِ حِصَّتَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَوْجِيهِ هَذَا: إِنَّ الزَّوْجَيْنِ لَمَّا كَانَ يَتَوَارَثَانِ بِالزَّوْجِيَّةِ الْعَارِضَةِ لَا بِالْقَرَابَةِ كَانَ فَرْضُهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْوَصِيَّةِ لَهُ التَّقْدِيمُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَارِثِينَ بِالْقَرَابَةِ.
وَنَقُولُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاطَّرَدَ تَقْدِيمُ فَرْضِ الزَّوْجِ مَعَ الْأَوْلَادِ، وَالْإِخْوَةِ، فَقُدِّمَ كَالْوَصِيَّةِ، وَقُسِّمَ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَوْلَادِ، أَوِ الْإِخْوَةِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّ حَقَّ الْأَزْوَاجِ فِي الْأَمْوَالِ وَالنَّفَقَاتِ آكَدُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَا
أَشْرَفَ، وَأَجْدَرَ مِنَ الزَّوْجِ بِالِاحْتِرَامِ. ذَلِكَ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ يَكُونَانِ عِنْدَ زَوَاجِ الْوَلَدِ عَرِيقَيْنِ فِي الِاسْتِقْلَالِ بِأَنْفُسِهِمَا فِي الْمَعِيشَةِ مِنْ جِهَةٍ، وَأَقَلَّ حَاجَةً إِلَى الْمَالِ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الَّذِينَ أَوِ اللَّوَاتِي فِي سِنِّهِمْ غَالِبًا لِانْصِرَامِ أَكْثَرِ أَعْمَارِهِمَا، وَلِأَنَّهُمَا إِذَا احْتَاجَا إِلَى مَالِ الْأَوْلَادِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَجْمُوعِ أَوْلَادِهِمَا، وَأَمَّا الزَّوْجَانِ فَإِنَّهُمَا يَعِيشَانِ مُجْتَمِعَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمِّمٌ لِوُجُودِ الْآخَرِ حَتَّى كَأَنَّهُ نِصْفُ مَاهِيَّتِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِانْفِصَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ وَالِدَيْهِ لِاتِّصَالِهِ بِالْآخَرِ. فَبِهَذَا كَانَتْ حُقُوقُ الْمَعِيشَةِ بَيْنَهُمَا آكَدَ ; وَلِهَذَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي النَّفَقَةِ هُوَ الْحَقَّ الْأَوَّلَ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ إِلَّا رَغِيفَيْنِ وَسَدَّ رَمَقَهُ بِأَحَدِهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ لِامْرَأَتِهِ لَا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ أَقَارِبِهِ. فَصِلَةُ الزَّوْجِيَّةِ أَشَدُّ وَأَقْوَى صِلَةٍ حَيَوِيَّةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ حَتَّى إِنَّ صِلَةَ الْبُنُوَّةِ فَرْعٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْأَوْلَادِ أَقْوَى مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى -: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ أَيْ يُوصِيكُمُ اللهُ وَيَعْهَدُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِأَنَّ لِأَوْلَادِ مَنْ يَمُوتُ مِنْكُمْ كَذَا وَلِأَبَوَيْهِ كَذَا مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ: يُوصَى بِهَا أَيْ يَقَعُ الْإِيصَاءُ بِهَا مِنَ الْمَيِّتِ هَكَذَا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ: (يُوصَى) بِفَتْحِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُخَفَّفًا وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ " يُوصِي " بِكَسْرِ الصَّادِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَوَصَفَ الْوَصِيَّةَ بِأَنَّهَا يُوصَى بِهَا لِتَأْكِيدِ أَمْرِهَا، وَالتَّحَقُّقِ مِنْ نِسْبَتِهَا إِلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الْحُقُوقَ يَجِبُ التَّثَبُّتُ فِيهَا. هَذَا مَا تَبَادَرَ إِلَى فَهْمِي، وَقِيلَ: إِنَّ فَائِدَةَ الْوَصْفِ التَّرْغِيبُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالنَّدْبُ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: فَائِدَتُهُ التَّعْمِيمُ أَوْ دَيْنٍ أَيْ وَمِنْ بَعْدِ دَيْنٍ يَتْرُكُهُ عَلَيْهِ. وَقُدِّمَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ فِي الذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِالْمِيرَاثِ شَاقَّةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا فِي الْوَفَاءِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَا يَجِبُ فِي التَّرِكَةِ، وَيَلِيهِ الْوَصِيَّةُ فَهِيَ مِمَّا فَضَلَ عَنِ الدَّيْنِ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ أَدَائِهِمَا هُوَ الَّذِي يُقْسَمُ عَلَى الْوَارِثِينَ. وَعَطَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute