الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: ذَكَرَ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَكْثَرِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَبَقِيَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعَةِ غَيْرُ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ، وَمِثْلُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، وَقَدْ
قَالَ: إِنَّهُ أُحِلَّ لَنَا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَرُبَّمَا يُقَالُ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا ذَكَرَ آنِفًا وَنَحْوُهُ مِنَ الْمُحَرَّمِ إِجْمَاعًا أَوْ بِنُصُوصٍ أُخْرَى كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالْمُشْرِكَةِ، وَالْمُرْتَدَّةِ! وَالْجَوَابُ: أَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ ; فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بَعْضَهُ، فَدَخَلَ فِي الْأُمَّهَاتِ الْجَدَّاتُ، وَفِي الْبَنَاتِ بَنَاتُ الْأَوْلَادِ إِلَخْ، وَبَعْضُهَا يُؤْخَذُ مِنْ آيَاتٍ أُخْرَى كَتَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا عَلَى مُطَلِّقِهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ، وَالسِّرُّ فِي النَّصِّ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ يُعْلِمُنَا بِالنَّصِّ عَلَى الْوَاقِعِ أَلَّا نَتَعَرَّضَ إِلَّا لِلْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ، وَأَنَّ الْأُمُورَ الْمَفْرُوضَةَ وَالْمُتَخَيَّلَةَ لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ لَهَا وَلَا الِاشْتِغَالُ بِهَا.
وَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَنْظُرُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ (٤: ٢٢) ، فَيَكُونُ مَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّفْصِيلِ بَيَانًا لَهَا فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا مَا حُرِّمَ لِسَبَبٍ آخَرَ كَتَحْرِيمِ الْمُشْرِكَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا ذُكِرَ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمْ لَا، فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا هَاهُنَا جَمِيعَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا مِنْ أَنْوَاعِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعَةِ وَالصِّهْرِ، وَهُوَ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِذَاتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَلَمَّا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحِلُّ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ كُلُّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمُحَرَّمَاتِ بِنَصٍّ أَوْ دَلَالَةٍ كَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْخَالِ، وَبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ إِلَخْ، وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ حِلُّ مَا حُرِّمَ فِي نُصُوصٍ أُخْرَى لِسَبَبٍ عَارِضٍ يَزُولُ بِزَوَالِهِ كَنِكَاحِ الْمُشْرِكَةِ وَالزَّانِيَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ لِلْمُتَعَلِّمِ عِنْدَمَا تَقْرَأُ لَهُ كِتَابَ الطَّهَارَةِ: لَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا، ثُمَّ تَقُولَ لَهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ كِتَابِ اللِّبَاسِ: لَا تَلْبَسِ الْحَرِيرَ وَلَا الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ وَالْبَسْ كُلَّ مَا عَدَاهُمَا مِنَ الثِّيَابِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِيهَا، فَهَلْ تُدْخِلُ فِي عُمُومِ هَذَا الْقَوْلِ الثَّوْبَ الْمُنَجَّسَ؟ لَا. لَا، إِنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يَسْمَحُ لَهُ السِّيَاقُ، وَالْمَقَامُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ، فَإِذَا كَانَ السِّيَاقُ فِي نَوْعٍ لَهُ جِنْسٌ أَوْ أَجْنَاسٌ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ خُرُوجَ الْعَامِّ عَنْ سِيَاقِ النَّوْعِ وَتَنَاوُلَهُ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ السَّافِلِ أَوِ الْعَالِي لِذَلِكَ النَّوْعِ، فَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ لِلْفَعَلَةِ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الْأَشْجَارَ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ لِتَكُونَ خَشَبًا: لَا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ الصَّغِيرَ وَاقْطَعُوا كُلَّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَشْجَارِ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُمْ يَفْهَمُونَ أَنَّ مُرَادَهُ مِنَ الْكُلِّيَّةِ أَفْرَادُ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنَ الشَّجَرِ الْكَبِيرِ
لَا جِنْسَ الشَّجَرِ الْكَبِيرِ الَّذِي يَعُمُّ الْمُثْمِرَ، وَمِثَلُ الثِّيَابِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا أَشْبَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مَعْنَاهُ: أُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ لِأَجْلِ أَنْ تَبْتَغُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute