للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ الْقَيْدُ الَّذِي يُقَيَّدُ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ بِشَيْءٍ، وَمَا هُمْ بِالْوَاقِفِينَ عَلَى أَخْلَاقِ النِّسَاءِ وَطِبَاعِهِنَّ ; فَإِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ تُحِبُّ زَوْجَهَا وَيُزَيِّنُ لَهَا الطَّيْشُ وَالرُّعُونَةُ النُّشُوزَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَنْشُزُ امْتِحَانًا لِزَوْجِهَا لِيَظْهَرَ لَهَا أَوْ لِلنَّاسِ مِقْدَارُ شَغَفِهِ بِهَا وَحِرْصِهِ عَلَى رِضَاهَا، أَقُولُ: وَمِنْهُنَّ مَنْ تَنْشُزُ لِتَحْمِلَ زَوْجَهَا عَلَى إِرْضَائِهَا بِمَا تَطْلُبُ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ يُغْرِيهَا أَهْلُهَا بِالنُّشُوزِ لِمَآرِبَ لَهُمْ.

وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ عَنِ الْهَجْرِ فِي الْمَضَاجِعِ ; لِأَنَّهُ بَدِيهِيٌّ، وَكَمْ تَخَبَّطَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْبَدِيهِيَّاتِ الَّتِي يَفْهَمُهَا الْأُمِّيُّونَ ; فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لِأَيِّ عَامِّيٍّ: إِنَّ فُلَانًا يَهْجُرُ امْرَأَتَهُ فِي الْمَضْجَعِ أَوْ فِي مَحَلِّ الِاضْطِجَاعِ، أَوْ فِي الْمَرْقَدِ أَوْ مَحِلِّ النَّوْمِ فَإِنَّهُ يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُفَسِّرِينَ رَأَوُا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِاخْتِلَافِ أَفْهَامِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِمَا يُرَادُ مِنَ الْكِنَايَةِ، وَأَخَلَّ بِمَا قَصَدَ فِي الْكِتَابَةِ مِنَ النَّزَاهَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمَعْنَى اهْجُرُوا حُجَرَهُنَّ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ مَبِيتِهِنَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ اهْجُرُوهُنَّ بِسَبَبِ الْمَضَاجِعِ أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِهِنَّ إِيَّاكُمْ فِيهَا، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى النُّشُوزِ، فَمَا مَعْنَى جَعْلِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْعِقَابِ؟ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ الْهَجْرَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْهِجَارِ: قَيِّدُوهُنَّ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ عَلَى مَا تَمَنَّعْنَ عَنْهُ، وَسَمَّى الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ بِتَفْسِيرِ الثُّقَلَاءِ، وَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ هُوَ مَا تَبَادَرَ إِلَى فَهْمِكَ أَيُّهَا الْقَارِئُ وَمَا يَتَبَادَرُ إِلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ يَعْرِفُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنَ اللُّغَةِ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: الْعِبَارَةُ تَدُلُّ بِمَفْهُومِهَا عَلَى مَنْعِ مَا جَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَعْنًى لَهَا فَهُوَ يَقُولُ: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا بِهَجْرِ الْمَضْجَعِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْفِرَاشُ، وَلَا بِهَجْرِ الْحُجْرَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الِاضْطِجَاعُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِهَجْرٍ فِي الْفِرَاشِ نَفْسِهِ، وَتَعَمُّدُ هَجْرِ الْفِرَاشِ أَوِ الْحُجْرَةِ زِيَادَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللهُ تَعَالَى، وَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْجَفْوَةِ، وَفِي الْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ نَفْسِهِ مَعْنًى لَا يَتَحَقَّقُ بِهَجْرِ الْمَضْجَعِ، أَوِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ; لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَضْجَعِ هُوَ الَّذِي يُهَيِّجُ شُعُورَ الزَّوْجِيَّةِ، فَتَسْكُنُ نَفْسُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ وَيَزُولُ اضْطِرَابُهُمَا الَّذِي أَثَارَتْهُ الْحَوَادِثُ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا هَجَرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَأَعْرَضَ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رُجِيَ أَنْ يَدْعُوَهَا ذَلِكَ الشُّعُورُ وَالسُّكُونُ النَّفْسِيُّ إِلَى سُؤَالِهِ عَنِ السَّبَبِ، وَيَهْبِطُ بِهَا مِنْ نَشَزِ الْمُخَالَفَةِ إِلَى صَفْصَفِ الْمُوَافَقَةِ، وَكَأَنِّي بِالْقَارِئِ وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِي لَمْ يَرَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَلَا الْأَحْيَاءِ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ فَاشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَالتَّبْرِيحُ الْإِيذَاءُ الشَّدِيدُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ

اللهُ عَنْهُ ـ تَفْسِيرُهُ بِالضَّرْبِ بِالسِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، أَيْ: كَالضَّرْبِ بِالْيَدِ أَوْ بِقَصَبَةٍ صَغِيرَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُقَاتِلٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ وَفِي امْرَأَتِهِ حَبِيبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>