للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا نَصُّهُ: " ثُمَّ نَقُولُ: ذَلِكَ الْمَعْصُومُ إِمَّا مَجْمُوعُ الْأُمَّةِ أَوْ بَعْضُ الْأُمَّةِ، لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضَ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَطْعًا، وَإِيجَابُ طَاعَتِهِمْ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِنَا عَارِفِينَ بِهِمْ قَادِرِينَ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ، وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّنَا فِي زَمَانِنَا هَذَا عَاجِزُونَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ، (أَقُولُ: وَمِثْلُهُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْفِقْهِ) ، عَاجِزُونَ عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ (كَذَا) عَاجِزُونَ عَنِ اسْتِفَادَةِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ مِنْهُمْ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَعْصُومَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِ لَيْسَ بَعْضًا مِنْ أَبْعَاضِ الْأُمَّةِ، وَلَا طَائِفَةً مِنْ طَوَائِفِهِمْ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْصُومُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَأُولِي الْأَمْرِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِأَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمَأْثُورَةَ عَنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ فِي أُولِي الْأَمْرِ أَرْبَعَةٌ:

١ - الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ.

٢ - أُمَرَاءُ السَّرَايَا (أَقُولُ: وَهُمْ قُوَّادُ الْعَسْكَرِ) عِنْدَ عَدَمِ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِيهِ أَيْ: فِي الْعَسْكَرِ.

٣ - عُلَمَاءُ الدِّينِ الَّذِينَ يُفْتُونَ وَيُعَلِّمُونَ النَّاسَ دِينَهُمْ.

٤ - الْأَئِمَّةُ الْمَعْصُومُونَ وَعَزَاهُ إِلَى الرَّافِضَةِ.

ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي اخْتَارَهُ إِيرَادَيْنِ أَوْ سُؤَالَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَمَّا كَانَتْ أَقْوَالُ الْأُمَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَحْصُورَةً فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ وَكَانَ الْقَوْلُ الَّذِي نَصَرْتُمُوهُ خَارِجًا عَنْهَا كَانَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ بَاطِلًا.

السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ حَمْلُ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرْتُمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأُمَرَاءَ وَالسَّلَاطِينَ أَوَامِرُهُمْ نَافِذَةٌ عَلَى الْخَلْقِ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أُولُو الْأَمْرِ، أَمَّا أَهْلُ الْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَمْرٌ نَافِذٌ عَلَى الْخَلْقِ فَكَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ أَوْلَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ الْآيَةِ وَآخِرَهَا يُنَاسِبُ مَا ذَكَرْنَاهُ، أَمَّا أَوَّلُ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْحُكَّامَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ وَبِرِعَايَةِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا آخِرُ الْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا أُشْكِلَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَلِيقُ بِالْأُمَرَاءِ لَا بِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَالَغَ بِالتَّرْغِيبِ فِي طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ، فَقَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَطْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي، فَهَذَا مَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ مِنَ السُّؤَالِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ.

قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَمَلُوا قَوْلَهُ: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ عَلَى الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ هَذَا قَوْلًا خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ الْأُمَّةِ، بَلْ كَانَ هَذَا اخْتِيَارًا لِأَحَدِ أَقْوَالِهِمْ وَتَصْحِيحًا لَهُ بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>